كِتَابُ الزَّكَاةِ قَرْنُهَا بِالصَّلَاةِ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مَوْضِعًا فِي التَّنْزِيلِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا. وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ إجْمَاعًا. (هِيَ) لُغَةً الطَّهَارَةُ وَالنَّمَاءُ، وَشَرْعًا (تَمْلِيكٌ)
ــ
[رد المحتار]
كَانَ الْإِمَامُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْحِجْرَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: إذَا وُلِّيت قَضَاءَ مَكَّةَ أَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ، فَعَارَضْته بِأَنَّ مَا ذَكَرْته مِنْ الْقُوَّةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ لِلتَّسَاوِي فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَبِأَنَّ التَّحَلُّقَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ مَنَعَ مَنْ وَصَلَ الصُّفُوفَ فِي الْحِجْرِ، فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى الصِّحَّةِ وَبِأَنَّ الْحِجْرَ: أَيْ بَعْضَهُ لَيْسَ مِنْ الْكَعْبَةِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، وَلِذَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مُسْتَقْبَلًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَنِّيٌّ فَإِذَا وَجَدْت شُرُوطَ الصِّحَّةِ الْقَطْعِيَّةِ لَا يُحْكَمُ بِالْفَسَادِ لِأَمْرٍ ظَنِّيٍّ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[كِتَابُ الزَّكَاةِ]
ِ إنَّمَا تَرَكَ فِي الْعِنْوَانِ الْعُشْرَ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ تَغْلِيبًا أَوْ تَبَعًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: قَرْنُهَا) بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: دَلِيلٌ إلَخْ خَبَرٌ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ ذِكْرُ الصَّوْمِ عَقِبَ الصَّلَاةِ كَمَا فَعَلَ قَاضِي خَانْ لِأَنَّهُ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ مِثْلُهَا، إلَّا أَنَّ أَكْثَرَهُمْ قَدَّمُوا الزَّكَاةَ عَلَيْهِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى نُوحٌ وَلِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قُهُسْتَانِيٌّ.
قُلْت: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ أَوَائِلَ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ تَرْتِيبَهَا فِي الْأَشْرَفِيَّةِ بَعْدَ الْإِيمَانِ هَكَذَا: الصَّلَاةُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ، ثُمَّ الصِّيَامُ، ثُمَّ الْحَجُّ، ثُمَّ الْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ، وَالِاعْتِكَافُ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مَوْضِعًا) كَذَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمَنَاقِبِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ. قَالَ ح: وَصَوَابُهُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ كَمَا عَدَّهُ شَيْخُنَا السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ) هَذَا مِمَّا يَحْسُنُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّوْمِ ط (قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ طُهْرَةٌ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَتَدَنَّسَ وَالْأَنْبِيَاءُ مُبَرَّءُونَ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: ٣١] فَالْمُرَادُ بِهَا زَكَاةُ النَّفْسِ مِنْ الرَّذَائِلِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِمَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ أَوْصَانِي بِتَبْلِيغِ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ زَكَاةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ مُقْتَضَى جَعْلِ عَدَمِ الزَّكَاةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَكَاةِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، كَذَا أَفَادَهُ الشبراملسي (قَوْلُهُ الطَّهَارَةُ) هَذَا أَنْسَبُ مِمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ إبْدَالِهِ بِالنَّظَافَةِ (قَوْلُهُ: وَالنَّمَاءُ) أَيْ الزِّيَادَةُ، وَلَهَا مَعَانٍ أُخَرُ: الْبَرَكَةُ، يُقَالُ زَكَتْ الْبُقْعَةُ: إذَا بُورِكَ فِيهَا، وَالْمَدْحُ يُقَالُ: زَكَّى نَفْسَهُ إذَا مَدَحَهَا، وَالثَّنَاءُ الْجَمِيلُ يُقَالُ: زَكَّى الشَّاهِدَ إذَا أَثْنَى عَلَيْهِ بَحْرٌ، وَكُلُّهَا تُوجَدُ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُؤَدِّيَهَا مِنْ الذُّنُوبِ وَمِنْ صِفَةِ الْبُخْلِ، وَالْمَالَ بِإِنْفَاقِ بَعْضِهِ. وَلِذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَقْذَرًا فَحَرُمَ عَلَى آلِ الْبَيْتِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣]- وَتُنَمِّيهِ بِالْخُلْفِ - {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: ٣٩]- {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦]- وَبِهَا تَحْصُلُ الْبَرَكَةُ «لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ» وَيُمْدَحُ بِهَا الدَّافِعُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ بِالْجَمِيلِ - {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: ٤]- {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤]- (قَوْلُهُ وَشَرْعًا تَمْلِيكٌ إلَخْ) أَيْ إنَّهَا اسْمٌ لِلْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لِوَصْفِهَا بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ عِلْمِ الْفِقْهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهَا شَرْعًا الْقَدْرُ الَّذِي يُخْرِجُهُ إلَى الْفَقِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهَا فِي الْقَدْرِ مَجَازٌ شَرْعًا فَإِنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute