لَا حَرَمَ لِلْمَدِينَةِ عِنْدَنَا وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الرَّاجِحِ إلَّا مَا ضَمَّ أَعْضَاءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا حَتَّى مِنْ الْكَعْبَةِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ. وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مَنْدُوبَةٌ، بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ لِمَنْ لَهُ سَعَةٌ.
ــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ] لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ التُّرَابِ وَالْأَحْجَارِ الَّتِي فِي الْحَرَمِ، وَكَذَا قِيلَ عَنْ تُرَابِ الْبَيْتِ الْمُعَظَّمِ إذَا كَانَ قَدْرًا يَسِيرًا لِلتَّبَرُّكِ بِهِ بِحَيْثُ لَا تَفُوتُ بِهِ عِمَارَةُ الْمَكَانِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَصَوَّبَ ابْنُ وَهْبَانَ الْمَنْعَ عَنْ تُرَابِ الْبَيْتِ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ الْجُهَّالُ فَيُفْضِي إلَى خَرَابِ الْبَيْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْكَثِيرِ كَثِيرٌ كَذَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ
[حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة]
(قَوْلُهُ لَا حَرَمَ لِلْمَدِينَةِ عِنْدَنَا) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: لِأَنَّا عَرَفْنَا حِلَّ الِاصْطِيَادِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ، فَلَا يَحْرُمُ إلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَأَكْثَرُ مَنْ لَقِينَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ: لَا جَزَاءَ عَلَى قَاتِلِ صَيْدِهِ وَلَا عَلَى قَاطِعِ شَجَرِهِ. وَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ الْمَالِكِيِّ، وَهُوَ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) يُوهِمُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ أَرَهُ. مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَفِي آخِرِ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْبِلَادِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ زَادَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا وَتَعْظِيمًا. وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، فَقِيلَ مَكَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ الْمَدِينَةُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، قِيلَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَلَعَلَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِحَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ، وَقِيلَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ قَوْلٌ مَجْهُولٌ لَا مَنْقُولٌ وَلَا مَعْقُولٌ. مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَوْلُهُ إلَّا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا مَوْضِعَ الْقَبْرِ الْمُقَدَّسِ، فَمَا ضَمَّ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ فَهُوَ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا أَيْ الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْبَيْتِ: فَإِنَّ الْكَعْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ مَا عَدَا الضَّرِيحَ الْأَقْدَسَ وَكَذَا الضَّرِيحُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَفْضِيلِهِ حَتَّى عَلَى الْكَعْبَةِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهُ. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْعَرْشِ، وَقَدْ وَافَقَهُ السَّادَةُ الْبَكْرِيُّونَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ صَرَّحَ التَّاجُ الْفَاكِهِيُّ بِتَفْضِيلِ الْأَرْضِ عَلَى السَّمَوَاتِ لِحُلُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأَكْثَرِينَ لِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا وَدَفْنِهِمْ فِيهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَوَاضِعُ ضَمِّ أَعْضَاءِ الْأَنْبِيَاءِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ مَنْدُوبَةٌ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَمَا نُسِبَ إلَى الْحَافِظِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ بِالنَّهْيِ عَنْهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ بِالنَّهْيِ عَنْ شَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ.
أَمَّا نَفْسُ الزِّيَارَةِ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا كَزِيَارَةِ سَائِرِ الْقُبُورِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَدَّ كَلَامَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلِلْإِمَامِ السُّبْكِيّ فِيهِ تَأْلِيفٌ مَنِيفٌ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَهَلْ تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ؛ الصَّحِيحُ نَعَمْ بِلَا كَرَاهَةٍ بِشُرُوطِهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثَابِتَةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا فَلَا إشْكَالَ. وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقَالَ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي [الدُّرَّةِ الْمُضِيئَةِ فِي الزِّيَارَةِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ] وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ وَقَالَ: وَانْتَصَرَ لَهُ، نَعَمْ عِبَارَةُ اللُّبَابِ وَالْفَتْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute