وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ خَانِيَّةٌ. وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى.
(وَجَدَهُ) أَيْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ (زُيُوفًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ وَحَبْسُهَا بِهِ) لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَجَدَهَا رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ مُسْتَحَقًّا وَكَالْمُرْتَهِنِ مَنِيَّةٌ.
ــ
[رد المحتار]
بَعِيدًا لَا يُتَصَوَّرُ الْقَبْضُ فِي الْحَالِ فَلَا تُقَامُ التَّخْلِيَةُ مَقَامَ الْقَبْضِ. اهـ. هَذَا ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا نُقِلَ مِثْلُهُ فِي أَوَاخِرِ الْإِجَارَاتِ عَنْ وَقْفِ الْأَشْبَاهِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: لَكِنْ نَقَلَ مُحَشِّيهَا ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ عَنْ بُيُوعِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَتَى مَضَى مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا كَانَ قَابِضًا وَإِلَّا فَلَا فَتَنَبَّهْ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا الْقُرْبُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ مَعَهُ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ) أَيْ لَا تَكُونُ تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ فِيهِمَا قَبْضًا قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ فِي الْإِجَارَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَكَذَا الْإِقْرَارُ بِتَسْلِيمِهَا. اهـ. قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ تَخْلِيَةَ الْقَرِيبِ فِي الْهِبَةِ قَبْضٌ، لَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْفَاسِدَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ تَكُونُ قَبْضًا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَبْضٌ وَفِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ - كَالْهِبَةِ فِي الْمُشَاعِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ - لَا تَكُونُ قَبْضًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْهِبَةِ الْجَائِزَةِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. اهـ.
[تَتِمَّةٌ] : فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَشْرِيَّ قَبْلَ نَقْدِهِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ، فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَخَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْبَائِعِ لَا يَكُونُ قَبْضًا حَتَّى يَقْبِضَهُ بِيَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى بَقَرَةً مَرِيضَةً وَخَلَّاهَا فِي مَنْزِلِ الْبَائِعِ قَائِلًا إنْ هَلَكَتْ فَمِنِّي وَمَاتَتْ، فَمِنْ الْبَائِعِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلْبَائِعِ: سُقْهَا إلَى مَنْزِلِكَ فَأَذْهَبُ فَأَتَسَلَّمُهَا، فَهَلَكَتْ حَالَ سَوْقِ الْبَائِعِ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ التَّسْلِيمَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، قَالَ: الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ: اعْمَلْ كَذَا أَوْ قَالَ: لِلْبَائِعِ مُرْهُ يَعْمَلُ كَذَا فَعَمِلَ فَعَطِبَ الْعَبْدُ هَلَكَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ قَبْضٌ قَالَ: الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: لَا أَعْتَمِدُكَ عَلَى الْمَبِيعِ، فَسَلِّمْهُ إلَى فُلَانٍ يُمْسِكُهُ حَتَّى أَدْفَعَ لَكَ الثَّمَنَ فَفَعَلَ الْبَائِعُ وَهَلَكَ عِنْدَ فُلَانٍ هَلَكَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ كَانَ لِأَجْلِهِ. اشْتَرَى وِعَاءَ لَبَنٍ خَائِرٍ فِي السُّوقِ فَأَمَرَ الْبَائِعُ بِنَقْلِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ فَعَلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي. اشْتَرَى فِي الْمِصْرِ حَطَبًا فَغَصَبَهُ غَاصِبٌ حَالَ حَمْلِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَمِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّسْلِيمَ فِي مَنْزِلِ الشَّارِي بِالْعُرْفِ. قَالَ: لِلْبَائِعِ زِنْهُ لَهُ وَابْعَثْهُ مَعَ غُلَامِكَ أَوْ غُلَامِي فَفَعَلَ وَانْكَسَرَ الْوِعَاءُ فِي الطَّرِيقِ فَالتَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ ادْفَعْهُ إلَى الْغُلَامِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِلْغُلَامِ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى الْمُشْتَرِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ) فِيهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيهَا لَوْ وَجَدَهُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً، الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِمَا فِي الْمِنَحِ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَصْلَ حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ نَقْضِ التَّسْلِيمِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ الزُّيُوفَ دَرَاهِمُ لَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ وَمِثْلُهَا النَّبَهْرَجَةُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، بِخِلَافِ الرَّصَاصِ وَالسَّتُّوقَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ دَرَاهِمَ فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الثَّمَنِ أَصْلًا فَلَهُ نَقْضُ التَّسْلِيمِ، وَأَفَادَ أَنَّ هَذَا لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ؛ أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ فَلَهُ نَقْضُهُ فِي الزُّيُوفِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ وَجَدَهَا) الْأَوْلَى وَجَدَهُ: أَيْ الثَّمَنَ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَحَقًّا) أَيْ بِأَنْ أَثْبَتَ رَجُلٌ أَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُ فَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ لِانْتِقَاضِ الِاسْتِيفَاءِ. (قَوْلُهُ: وَكَالْمُرْتَهِنِ) عِبَارَةُ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: وَالْمُرْتَهِنُ يَسْتَرِدُّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. اهـ. أَيْ فِي الزُّيُوفِ وَالرَّصَاصِ وَغَيْرِهَا، أَيْ: لَوْ قَبَضَ دَيْنَهُ وَسَلَّمَ الرَّهْنَ لِرَاهِنِهِ ثُمَّ ظَهَرَ مَا قَبَضَهُ زُيُوفًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ مُسْتَحَقًّا فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الرَّهْنَ. [تَنْبِيهٌ]
لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ التَّصَرُّفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute