للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِيَ لُغَةً الْجَزَاءُ، لِأَنَّهَا جَزَتْ عَنْ الْقَتْلِ وَالْجَمْعُ جِزَى كَلِحْيَةٍ وَلِحَى، وَهِيَ نَوْعَانِ (الْمَوْضُوعُ مِنْ الْجِزْيَةِ بِصُلْحٍ لَا) يُقَدَّرُ وَلَا (يُغَيَّرُ) تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ (وَمَا وُضِعَ بَعْدَمَا قُهِرُوا وَأُقِرُّوا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ يُقَدَّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى فَقِيرٍ مُعْتَمِلٍ) يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ النَّقْدَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَنَابِيعُ، وَتَكْفِي صِحَّتُهُ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ هِدَايَةٌ (اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا) فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ (وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ) فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ (وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ) فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا لِلتَّسْهِيلِ لَا لِبَيَانِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ بِنَايَةٌ (وَمَنْ مَلَك عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا غَنِيٌّ وَمَنْ مَلَك مِائَتَيْ

ــ

[رد المحتار]

فَقِيلَ اُسْتُعْمِلَ فُلَانٌ عَلَى الْجَالِيَةِ، وَالْجَمْعُ الْجَوَالِي مِصْبَاحٌ، فَإِطْلَاقُهَا عَلَى الْجِزْيَةِ مَجَازٌ بِمَرْتَبَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا جَزَتْ عَنْ الْقَتْلِ) أَيْ قَضَتْ وَكَفَتْ عَنْهُ فَإِذَا قَبِلَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ بَحْرٌ، أَوْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِهَذَا سُمِّيَتْ جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ وَهُوَ يُقَالُ عَلَى ثَوَابِ الطَّاعَةِ وَعُقُوبَةِ الْمَعْصِيَةِ.

(قَوْلُهُ وَالْجَمْعُ جِزَى) وَفِي لُغَةٍ جِزْيَاتٌ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لَا يُقَدَّرُ وَلَا يُغَيَّرُ) أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ تَقْدِيرٌ مِنْ الشَّارِعِ، بَلْ كُلُّ مَا يَقَعُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ وَلَا يُغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ دُرَرٌ وَذَلِكَ كَمَا صَالَحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلُ نَجْرَانَ، وَهُمْ قَوْمٌ نَصَارَى بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي الْعَامِ وَصَالَحَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ، فَلَزِمَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الزَّكَاةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَا وُضِعَ بَعْدَمَا قُهِرُوا إلَخْ) هَذَا الْوَضْعُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَاهُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عَلَى فَقِيرٍ مُعْتَمِلٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ الْآتِي: وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبِنَايَةِ وَغَيْرِهَا: لَا يَلْزَمُ الزَّمِنُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ، كَمَا فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَوْ حَذَفَ الْفَقِيرَ لَكَانَ أَوْلَى بَحْرٌ. أَيْ لَوْ حَذَفَهُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي فِيمَنْ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ بِأَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ مُعْتَمِلٍ لِيَشْمَلَ الْفَقِيرَ وَغَيْرَهُ، لَا مِنْ قَوْلِهِ هُنَا عَلَى فَقِيرٍ مُعْتَمِلٍ كَمَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ، فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ لَمَا أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ كَيْفَ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ. اهـ.

قُلْت: الِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ، وَالْمُرَادُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْمَلْ مَعَ قُدْرَتِهِ وَجَبَتْ كَمَنْ عَطَّلَ الْأَرْضَ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ قَيَّدَ بِالِاعْتِمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَصَاعِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُعْتَمِلِ هُنَا وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِي لَا تُوضَعُ عَلَى زَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْقَيْدِ هُنَا، وَأَنَّ عَطْفَ الْفَقِيرِ وَالْأَعْمَى عَلَى الزَّمِنِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّمِنِ الْعَاجِزُ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَغْنَاهُ لِشُمُولِهِ الْفَقِيرَ وَغَيْرَهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ سَالِمَ الْآلَاتِ صَحِيحَ الْبَدَنِ، لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ لِخَرِقِهِ وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ حِرْفَةً يَكْتَسِبُ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ شَرْطًا فِي الْفَقِيرِ فَقَطْ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَ الْفَقِيرِ تُوضَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا غَيْرَ زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَمِلًا بِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَيَتَعَيَّنُ تَفْسِيرُ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ بِمَا ذَكَرْنَا لِيَنْدَفِعَ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى عِبَارَاتِ الْمُتُونِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي يَعِيشُ بِكَسْبِ يَدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَلَوْ فَضَلَ عَلَى قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِلَى أَنَّ غَيْرَهُ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الْكَسْبِ لِلنَّفَقَةِ فِي الْحَالِ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا لِلتَّسْهِيلِ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ: دِرْهَمَانِ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ: أَرْبَعَةٌ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ إنَّهَا تَجِبُ فِي أَوَّلِهِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْقَتْلِ وَبِعَقْدِ الذِّمَّةِ يَسْقُطُ الْأَصْلُ، فَوَجَبَ خُلْفُهُ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الْكُلِّ عِنْدَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ تَخْفِيفًا، وَبِأَدَاءِ قِسْطِ شَهْرَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرُهُمَا، وَقِسْطِ شَهْرٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي آخِرِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>