دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مُتَوَسِّطٌ وَمَنْ مَلَك مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَقِيرٌ) قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، وَهُوَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ بَحْرٌ وَاعْتَبَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُرْفَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْعَامِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا كَالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَدَاءُ فِي آخِرِهِ أَوْ فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرٍ لِلتَّسْهِيلِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُرْفَ) حَيْثُ قَالَ يُنْظَرُ إلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي ذَلِكَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ خَمْسِينَ أَلْفًا بِبَلْخٍ يُعَدُّ مِنْ الْمُكْثِرِينَ، وَفِي الْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ لَا يُعَدُّ مُكْثِرًا وَذَكَرَهُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) صَحَّحَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَالصَّحِيحُ فِي مَعْرِفَةِ هَؤُلَاءِ عُرْفُهُمْ، كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَاعْتَرَفَ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِأَنَّهُ أَيْ التَّحْدِيدَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَيْ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ أَقْرَبُ لِرَأْيِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ: وَيَنْبَغِي تَفْوِيضُهُ لِلْإِمَامِ أَيْ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّهُ الْأَصَحُّ فَتَبَصَّرْ. اهـ.
يَعْنِي إنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِهَا نَصٌّ لَا تَثْبُتُ بِالرَّأْيِ، بَلْ تُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى كَمَا قَالَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَفِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ. اهـ.
وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا وُجُودَهَا فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ، أَوْ فَقِيرًا أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْأَوَّلُ لَوَجَبَ إذَا كَانَ فِي أَوَّلِهَا غَنِيًّا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا أَنْ يَجِبَ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ اهـ وَاعْتَرَضَهُ مُحَشِّي مِسْكِينٍ، بِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ هُوَ وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ الْآخَرِ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ جِزْيَةِ الْأَغْنِيَاءِ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي آخِرِهَا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا. اهـ.
قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْوَصْفَ الْمَوْجُودَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ اعْتَبَرَ آخِرَهَا أَرَادَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مَوْجُودًا فِي أَكْثَرِهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِبَارَ لِخُصُوصِ الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَقْتُ الْوَضْعِ، بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اعْتِبَارِ أَكْثَرِ السَّنَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَقْتَ الْوَضْعِ وُضِعَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا مُكَلَّفًا وَإِلَّا لَمْ تُوضَعْ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَارَ أَهْلًا بَعْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَمَنْ كَانَ أَهْلًا وَقْتَ الْوَضْعِ لَكِنْ قَامَ بِهِ عُذْرٌ لَمْ تُوضَعْ عَلَيْهِ إلَّا إذَا زَالَ الْعُذْرُ بَعْدَهُ كَالْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ وَالْمَرِيضِ إذَا صَحَّ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُهَا وَعَلَى هَذَا فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُ السَّنَةِ لِتَعْرِفَ الْأَهْلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَبَعْدَ تَحَقُّقِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ أَوَّلُهَا فِي حَقِّ تَغَيُّرِ الْأَوْصَافِ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا فِيهِ كَمَا إذَا كَانَ مَرِيضًا فِي أَوَّلِهَا، فَإِنْ صَحَّ بَعْدَهُ فِي أَكْثَرِهَا وَجَبَتْ، وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا غَيْرَ مُعْتَمِلٍ، ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا مُعْتَمِلًا أَوْ مُتَوَسِّطًا أَوْ غَنِيًّا فِي أَكْثَرِهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ لَوْ أَيْسَرَ فِي آخِرِ السَّنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ. اهـ. أَيْ إذَا أَيْسَرَ أَكْثَرَهَا، وَعَلَى هَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِهَا فَقِيرًا فِي آخِرِهَا اُعْتُبِرَ مَا وُجِدَ فِي أَكْثَرِهَا، لَكِنْ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ شَهْرٍ قِسْطٌ يُؤْخَذُ مِمَّنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِهَا شَهْرَيْنِ مَثَلًا قِسْطُ شَهْرَيْنِ دُونَ الْبَاقِي لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ يَسْقُطُ الْبَاقِي فِي جِزْيَةِ السَّنَةِ إذَا صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَرِيضًا نِصْفَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَا نَقَصَ عَنْ نِصْفِ سَنَةٍ لَا يُجْعَلُ عُذْرًا وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّمَا يُوَظَّفُ عَلَى الْمُعْتَمِلِ إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ وَإِلَّا فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَرَضٍ فَلَا يُجْعَلُ الْقَلِيلُ مِنْهُ عُذْرًا وَهُوَ مَا نَقَصَ عَنْ نِصْفِ الْعَامِ. اهـ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute