وَالْخَرَاجَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا وَقْفُهُ. نَعَمْ لَهُ إجَارَتُهُ تَخْرِيجًا عَلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَمِنْ الْحَوَادِثِ، لَوْ أَقْطَعهَا السُّلْطَانُ لَهُ وَلِأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ، عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ السُّلْطَانُ، وَانْتَقَلَ مَنْ أَقْطَعَ لَهُ فِي زَمَنِ سُلْطَانٍ آخَرَ، هَلْ يَكُونُ لِأَوْلَادِهِ؟ لَمْ أَرَهُ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ إلْغَاءُ التَّعْلِيقِ
ــ
[رد المحتار]
الْوُلَاةُ الْمَهْدِيُّونَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ وَأَرْضُ الْعَرَبِ وَالْجِبَالِ مِنْ الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْهَا، فَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَارِثٌ أَوْ مُشْتَرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَرْضُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ لَهُ عَنَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ يَقْوَى بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِاَلَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحُ لِأَمْرِهِمْ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُونَ يَقْطَعُ الْإِمَامُ مِنْهَا مَنْ أَحَبَّ مِنْ الْأَصْنَافِ. اهـ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ الْأَرْضَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِرَقَبَتِهَا كَمَا يُعْطِي الْمَالَ، حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْمَالِ فِي الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ الْإِقْطَاعَ تَمْلِيكُ الْخَرَاجِ مَعَ بَقَاءِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَتْ رَقَبَتُهَا بِبَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ رَقَبَتُهَا لِلْمُقْطَعِ لَهُ كَمَا قُلْنَا فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَغَيْرِهِ. مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْجُنْدِيِّ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ
(قَوْلُهُ نَعَمْ لَهُ إجَارَتُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْإِقْطَاعَاتِ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتْوَى رُفِعَتْ لَهُ بِأَنَّ لِلْجُنْدِيِّ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَا أَثَرَ لِجَوَازِ إخْرَاجِ الْإِمَامِ لَهُ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَا لِكَوْنِهِ مِلْكَ مَنْفَعَةٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ صُولِحَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً، كَانَ لِلْمُصَالَحِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ النَّاطِقَةِ بِإِيجَارِ مَا مَلَكَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْإِقْطَاعِ بِمُقَابَلَةِ اسْتِعْدَادِهِ لِمَا أُعِدَّ لَهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ عَنْ الْمُقْطَعِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِي النَّظَائِرِ الَّتِي خُرِّجَ عَلَيْهَا إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ، وَهِيَ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ الَّذِي صُولِحَ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً وَإِجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَإِجَارَةُ أُمِّ الْوَلَدِ. [تَنْبِيهٌ]
الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، لَكِنْ إذَا كَانَ لِلْأَرْضِ زُرَّاعٌ، وَاضِعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا وَلَهُمْ فِيهَا حَرْثٌ، وَكِيسٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُسَمَّى كِرْدَارًا وَيُؤَدُّونَ مَا عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا لِغَيْرِهِمْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زُرَّاعٌ مَخْصُوصُونَ، بَلْ يَتَوَارَدُهَا أُنَاسٌ بَعْدَ آخَرِينَ وَيَدْفَعُونَ مَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ، فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ أَرَادَ لَكِنَّ الْوَاقِعَ فِي زَمَانِنَا الْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَأْجِرُهَا لِأَجْلِ أَخْذِ خَرَاجِهَا لَا لِلزِّرَاعَةِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْتِزَامًا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَانْتَقَلَ مِنْ أُقْطِعَ لَهُ فِي زَمَنِ سُلْطَانٍ آخَرَ) كَذَا فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: انْتَقَلَ بِمَعْنَى مَاتَ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ هَلْ يَكُونُ لِأَوْلَادِهِ) أَيْ هَلْ تَصِيرُ الْأَرْضُ لِأَوْلَادِ الْمُقْطَعِ لَهُ عَمَلًا بِقَوْلِ السُّلْطَانِ، وَلِأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى إنْ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ فَلِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ تَعْلِيقُ مَعْنًى. مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ التَّعْلِيقِ بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ
(قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِأَوْلَادِهِ لِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ الْمُعَلِّقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute