وَفِيهَا اسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ وَزْنًا يَجُوزُ وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ فِي الْخَمِيرَةِ بِلَا وَزْنٍ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَمِيرَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْجِيرَانُ أَيَكُونُ رِبًا فَقَالَ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» وَفِيهَا شِرَاءُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ بِثَمَنٍ غَالٍ لِحَاجَةِ الْقَرْضِ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.
قُلْت: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ لَوْ ادَّانَ زَيْدٌ الْعَشَرَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَوْ بِثَلَاثَةٌ عَشَرَ بِطَرِيقِ الْمُعَامَلَةِ فِي زَمَانِنَا بَعْدَ أَنْ وَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ وَفَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا تُعْطَى الْعَشَرَةُ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَنُبِّهَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَمْتَثِلْ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَابَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَصَلَاحُهُ فَيُتْرَكَ
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَاضِ جَائِزٌ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ تَجُوزُ، وَلَوْ أَخْرَجَ وَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضِ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلْآمِرِ، وَلَوْ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ وَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ آمِرِهِ اهـ.
قُلْت: وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِأَنْ قَالَ إنَّ فُلَانًا يَطْلُبُ مِنْك أَنْ تُقْرِضَهُ كَذَا صَارَ رَسُولًا وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ وَمَعْبَرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: أَقْرِضْنِي كَذَا أَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي لِفُلَانٍ كَذَا، فَإِنَّهُ يَقَعُ لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ بِمَعْنَى لِأَجْلِهِ، وَقَالُوا إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ، لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي وَهُوَ لَا يَصِحُّ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَرْضَ صِلَةٌ وَتَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَيَقَعُ لِلْمُسْتَقْرِضِ إذَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّكَدِّي بِمَعْنَى الشِّحَاذَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ اسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ وَزْنًا يَجُوزُ) هُوَ الْمُخْتَارُ مُخْتَارُ الْفَتَاوَى وَاحْتَرَزَ بِالْوَزْنِ عَنْ الْمُجَازَفَةِ، فَلَا يَجُوزُ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ) هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلَى قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ» إلَخْ " وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ ط (قَوْلُهُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ) أَيْ يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا لَوْ الشِّرَاءُ بَعْدَ الْقَرْضِ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّفْعُ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ، وَلَكِنْ اشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ مِنْ الْمُقْرِضِ بَعْدَ الْقَرْضِ مَتَاعًا بِثَمَنٍ غَالٍ، فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْخَصَّافُ: مَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ لَمْ أَكُنْ اشْتَرَيْته مِنْهُ طَالَبَنِي بِالْقَرْضِ فِي الْحَالِ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: مَا نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بِلَا خِلَافٍ، هَذَا إذَا تَقَدَّمَ الْإِقْرَاضُ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْبَيْعُ بِأَنْ بَاعَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْمُعَامَلَةَ مِنْ الطَّالِبِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ سِتِّينَ دِينَارًا أُخْرَى، حَتَّى صَارَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَحَصَلَ لِلْمُسْتَقْرِضِ ثَمَانُونَ دِينَارًا ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إمَامِ بَلْخٍ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ الْمُسْتَقْرِضُ غَلَاءَ الثَّمَنِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: يُكْرَهُ لَوْ كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ، فَكَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا فَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِقَوْلِ الْخَصَّافِ وَابْنِ سَلَمَةَ يَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً بَلْ هَذَا بَيْعٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَهِيَ الْقَرْضُ اهـ مُلَخَّصًا وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٌ.
(قَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَامَلَةِ) هُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شِرَاءِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ بِثَمَنٍ غَالٍ (قَوْلُهُ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةٍ وَنِصْفٍ) وَهُنَاكَ فَتْوَى أُخْرَى بِأَزْيَدَ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ سَائِحَانِيٌّ وَلَعَلَّهُ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ يُعَزَّرُ) لِأَنَّ طَاعَةَ أَمْرِ السُّلْطَانِ بِمُبَاحٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute