للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَحْفِرُ قَبْرًا لِنَفْسِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ؛ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ تَهْيِئَةُ نَحْوِ الْكَفَنِ بِخِلَافِ الْقَبْرِ.

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: لَكِنْ سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ عَمَّا لَوْ قَرَأَ لِأَهْلِ الْمَقْبَرَةِ الْفَاتِحَةَ هَلْ يُقْسَمُ الثَّوَابُ بَيْنَهُمْ أَوْ يَصِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِثْلُ ثَوَابِ ذَلِكَ كَامِلًا. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ أَفْتَى جَمْعٌ بِالثَّانِي، وَهُوَ اللَّائِقُ بِسَعَةِ الْفَضْلِ. مَطْلَبٌ فِي إهْدَاءِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[تَتِمَّةٌ]

ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْحَافِظَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ زَعَمَ مَنْعَ إهْدَاءِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ جَنَابَهُ الرَّفِيعَ لَا يُتَجَرَّأُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا أَذِنَ فِيهِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَسُؤَالُ الْوَسِيلَةِ لَهُ قَالَ: وَبَالَغَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِإِذْنٍ خَاصٍّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْتَمِرُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمُرًا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ. وَحَجَّ ابْنُ الْمُوَفَّقِ وَهُوَ فِي طَبَقَةِ الْجُنَيْدِ عَنْهُ سَبْعِينَ حَجَّةً، وَخَتَمَ ابْنُ السِّرَاجِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ خَتْمَةٍ؛ وَضَحَّى عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ. اهـ.

قُلْت: رَأَيْت نَحْوَ ذَلِكَ بِخَطِّ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ الشِّهَابِ أَحْمَدَ بْنِ الشَّلَبِيِّ شَيْخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّيِّبَةِ لِلنُّوَيْرِيِّ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا نَقَلَهُ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاؤُهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

قُلْت: وَقَوْلُ عُلَمَائِنَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ يَدْخُلُ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ حَيْثُ أَنْقَذَنَا مِنْ الضَّلَالَةِ، فَفِي ذَلِكَ نَوْعُ شُكْرٍ وَإِسْدَاءُ جَمِيلٍ لَهُ، وَالْكَامِلُ قَابِلٌ لِزِيَادَةِ الْكَمَالِ. وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَانِعِينَ مِنْ أَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ فِي مِيزَانِهِ. يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، بِأَنْ نَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِ قَوْلِ اجْعَلْ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَعَ مِنْهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لَهُ دَلِيلٌ. وَأَجَابَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤] وَحَدِيثَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَقَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمَالَهُ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ فِي الْعِلْمِ وَالثَّوَابِ وَسَائِرِ الْمَرَاتِبِ وَالدَّرَجَاتِ وَكَذَا وَرَدَ فِي دُعَاءِ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ: وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعَظِّمْهُ وَاعْتَمِرْهُ تَشْرِيفًا إلَخْ فَيَشْمَلُ كُلَّ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ مَنْدُوبٌ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي خُطْبَتَيْ كِتَابَيْهِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْحَلِيمِيُّ وَصَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَدْ رَدَّ عَلَى الْبُلْقِينِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْقَايَاتِيُّ، وَوَافَقَهُ صَاحِبُهُ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ، وَوَافَقَهُمَا أَيْضًا صَاحِبُهُمَا إمَامُ الْحَنَفِيَّةِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ، بَلْ زَادَ عَلَيْهِمَا بِالْمُبَالَغَةِ حَيْثُ جَعَلَ كُلَّ مَا صَحَّ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْجُودًا فِي كَيْفِيَّةِ الدُّعَاءِ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ، وَهِيَ: اللَّهُمَّ صَلِّ أَبَدًا أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَنَبِيِّك وَرَسُولِك مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَزِدْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ طَلَبَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفَضْلِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْوَارِدِ كَصَلَاةِ التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ هَذَا الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ بِفَضْلِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ مَعَ هَذَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ فِي ذَلِكَ مَحْذُورًا، وَوَافَقَهُمْ أَيْضًا صَاحِبُهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا اهـ مُلَخَّصًا

(قَوْلُهُ: وَيَحْفِرُ قَبْرًا لِنَفْسِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَبِحَفْرِ قَبْرٍ لِنَفْسِهِ، عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ حَفْرَ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْبَاءِ مُضَافٌ إلَى قَبْرٍ: أَيْ وَلَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا بَأْسَ بِهِ، وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ، هَكَذَا عَمِلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ وَغَيْرُهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي إلَخْ) كَذَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَقَالَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ مُتَحَقِّقَةٌ غَالِبًا، بِخِلَافِ الْقَبْرِ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>