لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ، وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ الْحَصْرِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ عَتَقَ بِمَوْتِهِ. وَلَوْ بِجُزْءٍ لَا، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى، وَذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى.
(دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَالتَّدْبِيرُ عَلَى حَالِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِجُنُونٍ وَلَا رُجُوعٍ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ.
(وَلَا يَقْبَلُ) التَّدْبِيرُ (الرُّجُوعَ) عَنْهُ (وَيَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ
ــ
[رد المحتار]
كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانَ، أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ. وَهَكَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ. وَاعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ كَالْمُنَاقِضِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ فِي النِّكَاحِ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ، وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي النِّكَاحِ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ صُورَةً، وَهُنَا نَظَرَ إلَى التَّأْبِيدِ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلِيَّ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى بِلَا مَانِعٍ فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ جَزَمَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُدَبَّرٍ، مُطْلَقُ تَسْوِيَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ.
مَطْلَبٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ بِالْكَافِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَإِذَا مِتّ عَدَمَ الْحَصْرِ، لِمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ كُلَّ مَا أَفَادَ إثْبَاتَ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ فَهُوَ صَرِيحٌ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ.
الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ بِلَفْظِ إضَافَةٍ كَدَبَّرْتُكَ، وَمِنْهُ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ بَعْدَ مَوْتِي. الثَّانِي مَا يَكُونُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ كَإِنْ مِتّ إلَخْ، وَكَذَا أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعَ وَفِي تُسْتَعَارُ لِمَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ. الثَّالِثُ مَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَوْصَيْتُ لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِنَفْسِك أَوْ بِعِتْقِك وَكَذَا أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي، فَتَدْخُلُ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) عِبَارَتُهُ: وَعَنْ الثَّانِي أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ بِجُزْءٍ: لَا، إذْ الْجُزْءُ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْمُبْهَمِ وَالتَّعْيِينُ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ: أَيْ فَلَمْ تَكُنْ الرَّقَبَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنَّهُ السُّدُسُ، فَكَانَ سُدُسُ رَقَبَتِهِ دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُنَا جَزَمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ فِي أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالسُّدُسِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى السَّهْمِ، وَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ بِعَدَمِ تَجَزُّؤِ التَّدْبِيرِ كَالْإِعْتَاقِ، فَحَيْثُ دَخَلَ سُدُسُهُ فِي الْوَصِيَّةِ عَتَقَ كُلُّهُ. وَمَا فِي الْفَتْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي وَصَايَا خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ وَهَبَ لَهُ رَقَبَتَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَا عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَعَتَقَ ثُلُثُهُ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ أَكْمَلَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى الثُّلُثِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ بِلَا سِعَايَةٍ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَخْ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْهُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ رَقَبَتُهُ جَمِيعَ الْمَالِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ رَقَبَتِهِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَكْثَرَ فَإِنْ زَادَ لَهُ عَلَى ثُلُثَيْ رَقَبَتِهِ شَيْءٌ أَكْمَلَ لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَا رَقَبَتِهِ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ.
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمَوْتِ فَكَانَ تَعْلِيقًا صُورَةً وَوَصِيَّةً مَعْنًى (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُقْبَلُ الرُّجُوعُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّ) قِيلَ شَهْرًا، وَقِيلَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ سَنَةً. وَالْفَتْوَى عَلَى التَّفْوِيضِ لِرَأْيِ الْقَاضِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ وَجَزَمَ الشَّارِحُ فِي الْوَصَايَا بِتَقْدِيرِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) الْأُولَى فَإِنَّهَا تَبْطُلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute