للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الْآيَةِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ عَلَى الْأَحْوَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (بَعْدَ التَّعْزِيرِ) لِمُبَاشَرَةِ مُنْكَرِ التَّخْوِيفِ (حَتَّى يَتُوبَ) لَا بِالْقَوْلِ بَلْ بِظُهُورِ سِيمَا الصُّلَحَاءُ (أَوْ يَمُوتَ)

(وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا) بِأَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَمَا مَرَّ (وَأَصَابَ مِنْهُ كُلًّا نِصَابٌ قُطِعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ) لِئَلَّا يَفُوتَ نَفْعُهُ وَهَذِهِ حَالَةٌ ثَانِيَةٌ.

(وَإِنْ قَتَلَ) مَعْصُومًا (وَلَمْ يَأْخُذْ) مَالًا (قُتِلَ) وَهَذِهِ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ (حَدًّا) لَا قِصَاصًا (فَ) لِذَا (لَا يَعْفُوهُ وَلِيٌّ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) الْقَتْلُ (مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ) لِوُجُوبِهِ جَزَاءً لِمُحَارَبَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ

ــ

[رد المحتار]

يُعَزَّرُ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَتْحٌ، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الْحَبْسَ فِي بَلَدِهِ لَا فِي غَيْرِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الْآيَةِ) ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ مُحَالٌ وَإِلَى بَلَدٍ أُخْرَى فِيهِ إيذَاءُ أَهْلِهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَبْسُ، وَالْمَحْبُوسُ يُسَمَّى مَنْفِيًّا مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِطَيِّبَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، وَلَا يَجْتَمِعُ بِأَقَارِبِهِ وَأَحْبَابِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ فِي الْغُرَرِ:

خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى

إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا

(قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الْأَجْزِيَةِ الْأَرْبَعَةِ إذْ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّهَا أَجْزِيَةٌ عَلَى جِنَايَةِ الْقَطْعِ الْمُتَفَاوِتَةِ خِفَّةً وَغِلَظًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَى أَغْلَظِهَا أَخَفُّ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلَى أَخَفِّهَا أَغْلَظُ الْأَجْزِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْفَعُهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالتَّوْزِيعِ عَلَى أَحْوَالِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِهَا فَاقْتَضَتْ الِانْقِسَامَ.

فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا، أَوْ يُصْلَبُوا إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تَقَطُّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ يُنْفَوْا إنْ أَخَافُوا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّعْزِيرِ) أَيْ بِالضَّرْبِ، وَإِلَّا فَالْحَبْسُ تَعْزِيرٌ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ يَمُوتَ) عَطْفٌ عَلَى يَتُوبَ

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ) أَيْ الْقَاطِعُ أَيْ جِنْسُهُ السَّابِقِ بِالْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ وَأَصَابَ مِنْهُ كُلًّا نِصَابٌ) أَيْ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابُ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ يُسْرَاهُ شَلَّاءَ لَمْ تُقْطَعْ يَمِينُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيُمْنَى لَمْ تُقْطَعْ لَهُ يَدٌ وَكَذَا الرِّجْلُ الْيُسْرَى نَهْرٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى أَوْ كِلَاهُمَا قَطَعَ كَمَا سَبَقَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِنْ أَنَّ اسْتِيفَاءَ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ غَيْرُ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْقَطْعِ أَوْ الْجَمْعُ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ يُرَادُ بِالصَّحِيحِ مَا يُقَابِلُ الْمَقْطُوعَ دُونَ الْأَشَلِّ أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَفُوتَ نَفْعُهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مِنْ خِلَافٍ ط

(قَوْلُهُ فَلِذَا لَا يَعْفُوهُ وَلِيٌّ) أَيْ لِكَوْنِهِ حَدًّا خَالِصَ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ فَمَنْ عَفَا عَنْهُ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَتْحٌ. قَالَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهَا أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ اهـ وَالْمُرَادُ بِمَا سَيَذْكُرُهُ مَا يَأْتِي أَنَّهُ مِنْ الْغَرَائِبِ. قُلْت: لَكِنْ مَا أَوَّلَ بِهِ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ بَعِيدٌ وَالْأَقْرَبُ تَأْوِيلُهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ أَيْ النِّصَابَ بَلْ أَخَذَ مَا دُونَهُ، وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِي أَنَّهَا مِنْ الْغَرَائِبِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَيْ فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>