. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
الرَّابِعُ: عَدَمُ سَمَاعِهَا حَيْثُ تَحَقَّقَ تَرْكُهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَوْ ادَّعَى فِي أَثْنَائِهَا لَا يَمْنَعُ بَلْ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ ثَانِيًا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ هَذِهِ الْمُدَّةُ، وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا التُّرْكُمَانِيِّ فِي مَجْمُوعَتِهِ أَنَّ شَرْطَهَا أَيْ شَرْطَ الدَّعْوَى مَجْلِسُ الْقَاضِي، فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِي مَجْلِسِ غَيْرِهِ كَالشَّهَادَةِ، تَنْوِيرٌ وَبَحْرٌ وَدُرَرٌ قَالَ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى وَهِيَ أَنَّ زَيْدًا تَرَكَ دَعْوَاهُ عَلَى عَمْرٍو مُدَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَدَّعِ عِنْدَ الْقَاضِي بَلْ طَالَبَهُ بِحَقِّهِ مِرَارًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ لَا تُسْمَعُ لِعَدَمِ شَرْطِ الدَّعْوَى، فَلْيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك، فَإِنَّهُ تَكَرَّرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَصَرِيحُ فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَيْ أَفَنْدِي: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي مِرَارًا، وَلَمْ يَفْصِلْ الْقَاضِي الدَّعْوَى وَمَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَزْبُورَةُ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا عِنْدَ الْقَاضِي اهـ مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّ طَلَبِهَا، فَلَوْ مَاتَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، فَلَهَا طَلَبُ مُؤَخَّرِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ طَلَبِهِ إنَّمَا ثَبَتَ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ لَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَخَّرَ الدَّعْوَى هَذِهِ الْمُدَّةَ لِإِعْسَارِ الْمَدْيُونِ، ثُمَّ ثَبَتَ يَسَارُهُ بَعْدَهَا، وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى سُئِلْت عَنْهَا حِينَ كِتَابَتِي لِهَذَا الْمَحَلِّ فِي رَجُلٍ لَهُ كَدَكُ دُكَّانٍ وَقْفٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَنْجُورٍ وَغَيْرِهِ وَضَعَهُ مِنْ مَالِهِ فِي الدُّكَّانِ بِإِذْنِ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَمِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَتَصَرَّفَ فِيهِ هُوَ وَوَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ. ثُمَّ أَنْكَرَهُ النَّاظِرُ الْآنَ
وَأَنْكَرَ وَضْعَهُ بِالْإِذْنِ، وَأَرَادَ الْوَرَثَةُ إثْبَاتَهُ وَإِثْبَاتَ الْإِذْنِ بِوَضْعِهِ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَدِهِمْ وَيَدِ مُوَرِّثِهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ بِدُونِ مُعَارِضٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَرْكًا لِلدَّعْوَى. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِدَارٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: كُنْت اشْتَرَيْتهَا مِنْك مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهِيَ فِي مِلْكِي إلَى الْآنَ وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ فِي الشِّرَاءِ فَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ عَمْرٍو عَلَى الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْآنَ وَقَبْلَهَا كَانَ وَاضِعُ الْيَدِ بِلَا مُعَارِضٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِإِثْبَاتِ مِلْكِيَّتِهَا فَلَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلدَّعْوَى وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ مُسْتَأْجِرَ دَارِ الْوَقْفِ يَعْمُرُهَا بِإِذْنِ النَّاظِرِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَبْلَغًا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَصِيرُ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْوَقْفِ، وَيُسَمَّى فِي زَمَانِنَا مَرْصَدًا، وَلَا يُطَالِبُ بِهِ مَا دَامَ فِي الدَّارِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى النَّاظِرِ بِمَرْصَدِهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَقْتَطِعُ بَعْضَهُ مِنْ أُجْرَةِ الدَّارِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
الْخَامِسُ: اسْتِثْنَاءُ الشَّارِحِ الْعُذْرَ الشَّرْعِيَّ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي حَاكِمًا ظَالِمًا كَمَا يَأْتِي وَمَا لَوْ كَانَ ثَابِتَ الْإِعْسَارِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَهَا فَتُسْمَعُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ.
السَّادِسُ: اسْتِثْنَاءُ مَالِ الْيَتِيمِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتْرُكْهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَبِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَأْتِي، وَفِي الْحَامِدِيَّةِ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَاصِرًا وَالْبَاقِي بَالِغِينَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالنَّظَرِ إلَى الْقَاصِرِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ دُونَ الْبَالِغِينَ. مَطْلَبُ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً لَا تُسْمَعُ.
السَّابِعُ: اسْتَثْنَوْا الْغَائِبَ وَالْوَقْفَ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ مُدَّةً فَتُسْمَعُ مِنْ الْغَائِبِ وَلَوْ بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ التَّرْكَ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْغَائِبِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَأَتِّي الْجَوَابِ مِنْهُ بِالْغَيْبَةِ، وَالْعِلَّةُ خَشْيَةُ التَّزْوِيرِ وَلَا يَتَأَتَّى بِالْغَيْبَةِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ غَيْبَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَكَذَا الظَّاهِرُ فِي بَاقِي الْأَعْذَارِ أَنَّهُ لَا مُدَّةَ لَهَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعُذْرِ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ يُؤَكِّدُ عَدَمَ التَّزْوِيرِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لَوْ طَالَتْ مُدَّةُ دَعْوَاهُ بِلَا عُذْرٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute