أَوْ أَفْيُونٍ أَوْ بَنْجٍ زَجْرًا، وَبِهِ يُفْتَى تَصْحِيحُ الْقُدُورِيِّ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَنْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا، وَنَعَمْ لَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ أَوْ بِمُبَاحٍ لَمْ يَقَعْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمَيِّزْ مَا يَقُومُ بِهِ الْخِطَابُ كَانَ تَصَرُّفُهُ بَاطِلًا. اهـ. وَاسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ سَبْعَ مَسَائِلَ: مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ صَاحِيًا، لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ
ــ
[رد المحتار]
أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو بِحِلِّهَا، لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ ظُهُورِ شَأْنِهَا أَنَّهَا فِيهِمْ فَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْرِهَا مِنْ الْفَسَادِ كَثِيرٌ وَفَشَا عَادَ مَشَايِخُ الْمَذْهَبَيْنِ إلَى تَحْرِيمِهَا. وَأَفْتَوْا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِمَّنْ زَالَ عَقْلُهُ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَفْيُونٍ أَوْ بَنْجٍ) الْأَفْيُونُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَشْخَاشِ. الْبَنْجُ: بِالْفَتْحِ نَبْتٌ مُنْبَتٌ. وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِأَكْلِهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ زَوَالَ عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ. وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ إنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَةِ قَصْدًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي الْوُقُوعِ.
وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ: وَفِي هَذَا الزَّمَانِ إذَا سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ يَقَعُ زَجْرًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ زَجْرًا) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِلتَّدَاوِي لَا يُزْجَرُ عَنْهُ لِعَدَمِ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ ط (قَوْلُهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ إلَخْ) فَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمَ الْوُقُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْوُقُوعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُقُوعِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبَ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ) لِأَنَّ عِلَّةَ زَوَالِ الْعَقْلِ الصُّدَاعُ وَالشُّرْبُ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْعِلَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. هَذَا، وَقَدْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ فِيمَا إذَا شَرِبَ خَمْرًا فَصَدَّعَ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ: لَوْ كَانَ النَّبِيذُ غَيْرَ شَدِيدٍ فَصَدَّعَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيذُ شَدِيدًا حَرَامًا فَصَدَّعَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ. اهـ.
فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِ مُحَرَّمٍ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ بِمُبَاحٍ) كَمَا إذَا سَكِرَ مِنْ وَرَقِ الرُّمَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ كَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط. قُلْت: وَكَذَا لَوْ سَكِرَ بِبَنْجٍ أَوْ أَفْيُونٍ تَنَاوَلَهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ التَّدَاوِي كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْرِيفِ السَّكْرَانِ الَّذِي تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ عِنْدَنَا بِأَنَّهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ. وَتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُتَّجَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ (قَوْلُهُ مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ صَاحِيًا) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَ سَكْرَانُ لَا يَقَعُ، وَمِنْهَا الرِّدَّةُ. وَمِنْهَا الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ. وَمِنْهَا الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ. وَمِنْهَا تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوَالصَّغِيرَةِ بِأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَمِنْهَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَوْ سَكِرَ فَبَاعَ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى مُوَكِّلِهِ.
وَمِنْهَا الْغَصْبُ مِنْ صَاحٍ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ سَكْرَانُ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ ح. قُلْت: لَكِنْ اعْتَرَضَهُ مُحَشِّيهِ الْحَمَوِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ فَحُكْمُهُ فِيهَا كَالصَّاحِي، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ بِالطَّلَاقِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ الْوُقُوعُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا عَلَى مَالٍ فَطَلَّقَهَا فِي حَالَ السُّكْرِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ وَالْإِيقَاعُ حَالَ السُّكْرِ وَقَعَ وَلَوْ بِلَا مَالٍ وَقَعَ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَتَقْدِيرُ الْبَدَلِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute