للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ إمَّا ضَمَانُ الْخُسْرَانِ أَوْ تَوْكِيلٌ بِمَجْهُولٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.

(كَفَلَ) عَنْ رَجُلٍ (بِمَا ذَابَ لَهُ أَوْ بِمَا قَضَى لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا لَزِمَهُ لَهُ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: لَزِمَ بِلَا ضَمِيرٍ.

وَفِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك (فَغَابَ الْأَصِيلُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا لَمْ يُقْبَلْ) بُرْهَانُهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيَقْضِيَ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ تَبَعًا لِلْأَصِيلِ.

ــ

[رد المحتار]

الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحُمِدُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ الرِّبَا حَتَّى لَوْ بَاعَ كَاغِدَةً بِأَلْفٍ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا الْبَيْعُ فِي قَلْبِي كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ ذَمِيمٌ اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا، وَقَدْ ذَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» أَيْ اشْتَغَلْتُمْ بِالْحَرْثِ عَنْ الْجِهَادِ.

وَفِي رِوَايَةٍ «سُلِّطَ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُوا خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» وَقِيلَ إيَّاكَ وَالْعِينَةَ فَإِنَّهَا اللَّعِينَةُ.

ثَمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّهُ إنْ فُعِلَتْ صُورَةٌ يَعُودُ فِيهَا إلَى الْبَائِعِ جَمِيعُ مَا أَخْرَجَهُ أَوْ بَعْضُهُ كَعَوْدِ الثَّوْبِ إلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْمَارَّةِ وَكَعَوْدِ الْخَمْسَةِ فِي صُورَةِ إقْرَاضِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَيُكْرَهُ يَعْنِي تَحْرِيمًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَدْيُونُ فِي السُّوقِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ خِلَافُ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْأَجَلَ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْقَرْضُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ دَائِمًا بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ وَمَا لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يُسَمَّى بَيْعَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَرْجَعَةِ لَا الْعَيْنِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَكُلُّ بَيْعٍ بَيْعُ الْعِينَةِ اهـ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ والشرنبلالية وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَجَعَلَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ مَحْمَلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَحَمَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْحَدِيثَ عَلَى صُورَةِ الْعَوْدِ.

هَذَا وَفِي الْفَتْحِ أَيْضًا: ثُمَّ ذَمُّوا الْبِيَاعَاتِ الْكَائِنَةَ الْآنَ أَشَدَّ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لِلتُّجَّارِ إنَّ الْعِينَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ بِيَاعَاتِكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ، فَكَثِيرٌ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالشَّيْرَجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ الْحَالُ فِيهَا عَلَى وَزْنِهَا مَظْرُوفَةً ثُمَّ إسْقَاطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الظَّرْفِ وَبِهِ يَصِيرُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ بِحُكْمِ الْغَصْبِ الْمُحَرَّمِ فَأَيْنَ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِي كَرَاهَتِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إمَّا ضَمَانُ الْخُسْرَانِ) أَيْ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا لِلْوُجُوبِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ بَايِعْ فِي السُّوقِ فَمَا خَسِرْت فَعَلَيَّ دُرَرٌ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَوْكِيلٌ بِمَجْهُولٍ) أَيْ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ نَوْعِ الثَّوْبِ وَثَمَنِهِ دُرَرٌ

(قَوْلُهُ: كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ لِرَجُلٍ لِيَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي لَهُ مَذْكُورًا وَهُوَ الرَّجُلُ الثَّانِي الْمَكْفُولُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الْمَقَامِ.

(قَوْلُهُ: بِمَا ذَابَ لَهُ) أَيْ بِمَا ثَبَتَ وَوَجَبَ بِالْقَضَاءِ.

(قَوْلُهُ: عِبَارَةُ الدُّرَرِ لَزِمَ بِلَا ضَمِيرَ) الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي الدُّرَرِ لَزِمَهُ بِالضَّمِيرِ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ لَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ وَضَمِيرُ لَزِمَهُ لِلْمَكْفُولِ، فَفِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ مَعَ إيهَامِ عَوْدِهِ لِلْمَكْفُولِ أَيْضًا كَبَقِيَّةِ الضَّمَائِرِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِهِ وَلَا إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ؛ لِأَنَّ لَزِمَ بِمَعْنَى ثَبَتَ فَهُوَ قَاصِرٌ فِي الْمَعْنَى لَا يَحْتَاجُ إلَى مَفْعُولٍ وَالْمَعْنَى بِمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى إنْ وَجَبَ لَكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ ثَابِتٌ قَبْلَ الْكَفَالَةِ لَمْ يَكُنْ مَكْفُولًا بِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ مَقْضِيٍّ بَعْدَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الذَّوْبَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَالْبَيِّنَةُ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَهَذَا فِي لَفْظِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي ذَابَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَهُوَ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنِّي قَدَّمْت الْغَائِبَ إلَى قَاضِي كَذَا وَأَقَمْت عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَقَضَى لِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ كَفِيلًا وَصَحَّتْ الدَّعْوَى وَقَضَى عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لِصَيْرُورَتِهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>