دُونَ الثَّانِي عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ لَمْ يَقْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمَسْأَلَةُ تَتَفَرَّعُ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، مَحَلُّهَا الْمُطَوَّلَاتُ (قَضَى) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (فَقَطْ)
ــ
[رد المحتار]
وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَنَا فِي الثَّانِي وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ إنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ إذَا لَمْ تُعْتَبَرْ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ يَلْزَمُ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِهِ بِالْأَوْلَى وَبِهِ يَضْعُفُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلِذَا جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِلُزُومِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَوَّلِ بَقَاءُ اللَّيْلِ، فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ النَّهَارِ فَتَجِبُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ) أَيْ فِيمَا لَوْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ شَكَّ فَتَسَحَّرَ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّيَقُّنُ حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ بَحْرٌ فَهَذَا دَاخِلٌ فِي عَدَمِ التَّبَيُّنِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْضِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ بَحْرٌ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ مَعَ التَّبَيُّنِ أَوْ عَدَمِهِ فَسَنَذْكُرُهَا (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ وَهَذَا وَهْمٌ سَرَى إلَيْهِ مِنْ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَهِيَ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَأَكَلَ ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يُقْضَى احْتِيَاطًا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: تَتَفَرَّعُ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ) هَذَا عَلَى مَا فِي النَّهْرِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَوْ يَظُنَّ أَوْ يَشُكَّ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ أَوْ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ مَا بَدَا لَهُ أَوْ بُطْلَانُهُ أَوْ لَا وَلَا، وَكُلٌّ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ فِي انْتِهَائِهِ فَتِلْكَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُ لِاتِّحَادِهِمَا حُكْمًا وَإِنْ اخْتَلَفَا مَفْهُومًا فَإِنَّ مُجَرَّدَ تَرَجُّحِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْحُكْمِ عِنْدَ الْعَقْلِ هُوَ أَصْلُ الظَّنِّ، فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ التَّرَجُّحُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ الْيَقِينِ سُمِّيَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَأَكْبَرَ الرَّأْي فَلِذَا جَعَلَهَا فِي الْبَحْرِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِجَعْلِ الشَّكِّ تَارَةً فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَتَارَةً فِي وُجُودِ الْمُحَرِّمِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِهِمَا شَكٌّ فِي الْآخَرِ لِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فِي الشَّكِّ بِخِلَافِ الظَّنِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا صَحَّ تَعَلُّقُهُ بِالْمُبِيحِ تَارَةً وَبِالْمُحَرِّمِ أُخْرَى؛ لِأَنَّ لَهُ نِسْبَةً مَخْصُوصَةً إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، فَإِذَا تَعَلَّقَ الظَّنُّ بِوُجُودِ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ النَّهَارِ وَبِالْعَكْسِ.
فَالْحَقُّ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ، أَوْ يَشُكَّ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ لَا يَتَبَيَّنَ، فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَتِسْعَةٌ فِي انْتِهَائِهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا وَهِيَ أَنَّهُ إنْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ بَقَاؤُهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَمِثْلُهُ الشَّكُّ فِي الطُّلُوعِ وَإِنْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ تَبَيَّنَ الطُّلُوعُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَقْضِي فَقَطْ وَإِنْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ تِسْعَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغُرُوبُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَكَّ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغُرُوبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغُرُوبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ تِسْعَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي عَشْرِ صُوَرٍ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَقَطْ فِي أَرْبَعٍ وَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي أَرْبَعٍ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً إلَخْ لَا صُوَرُ التَّفْرِيعِ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ بِدُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute