بِهَتْكِ رَمَضَانَ
(أَوْ وُطِئَتْ نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً) بِأَنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً فَجُنَّتْ (أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ أَفْطَرَ يَظُنُّ الْيَوْمَ) أَيْ الْوَقْتَ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ (لَيْلًا وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْفَجْرَ طَالِعٌ وَالشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ وَيَكْفِي الشَّكُّ فِي الْأَوَّلِ
ــ
[رد المحتار]
بِالْغَيْرِيَّةِ وَبِالْأَدَاءِ (وَقَوْلُهُ: بِهَتْكِ رَمَضَانَ) : أَيْ بِخَرْقِ حُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا تَجِبُ بِإِفْسَادِ قَضَائِهِ أَوْ إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لِوُرُودِهَا فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ وُطِئَتْ إلَخْ) هَذَا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَأَمَّا الْوَاطِئُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَطْئِهِ عَاقِلَةً أَوْ غَيْرَهَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً فَجُنَّتْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي الصَّوْمَ فَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُ هَذَا الْفَرْعِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ وَهِيَ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ط قَالَ ح وَمِثْلُهَا مَا إذَا نَوَتْ فَجُنَّتْ بِاللَّيْلِ فَجَامَعَهَا نَهَارًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَكَذَا لَوْ نَوَتْ نَهَارًا قَبْلَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى فَجُنَّتْ فَجَامَعَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَسَحَّرَ إلَخْ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثَبُّتِ لَا جِنَايَةُ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ فِيهِ إثْمَ تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ حَالَةَ الرَّمْيِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ.
قُلْت: لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْإِثْمِ هُنَا أَصْلًا بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُنَا وَوُجُوبِهَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ لِوُجُودِ الْإِثْمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مُكَفِّرَةٌ لِلْإِثْمِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَقْتِ إلَخْ) إطْلَاقُ الْيَوْمِ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ الشَّامِلِ لِلَّيْلِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ مِثْلُ رَكِبَ يَوْمَ يَأْتِي الْعَدُوُّ وَالدَّاعِي إلَيْهِ هُنَا قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ (قَوْلُهُ: لَيْلًا) لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الطُّلُوعَ وَأَكَلَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةَ ظَنِّهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ فَلَوْ قَالَ ظَنَّهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ بَحْرٌ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَيَّدَ بِاللَّيْلِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوْ تَسَحَّرَ. اهـ.
قُلْت: مُرَادُ الْبَحْرِ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَالتَّسَحُّرُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ فِي السَّحَرِ لَكِنْ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ وُقُوعِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ، وَلَوْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُهُ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَالْأَكْلُ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا يُسَمَّى سُحُورًا فَلَوْلَا الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَفٌّ وَنَشْرٌ) أَيْ مُرَتَّبٌ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي) أَيْ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ الشَّكُّ فِي الْأَوَّلِ أَيْ فِي التَّسَحُّرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ إمْدَادٌ فَكَانَ عَلَى الْمَتْنِ أَنْ يُعَبِّرَ هُنَا بِالشَّكِّ كَمَا قَالَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ: أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ طَالِعٌ ثُمَّ يَقُولُ أَوْ ظَنَّ الْغُرُوبَ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الشَّكَّ مَا زَعَمَ فِي الْبَحْرِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ الشَّكُّ فَالصَّوَابُ إبْقَاءُ الظَّنِّ عَلَى بَابِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ سَاكِتًا عَنْ الشَّكِّ وَلَا ضَيْرَ فِيهِ. اهـ. ح.
أَقُولُ: فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْبَدَائِعِ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ عَدَمُ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْغُرُوبِ قَائِمٌ فَكَانَ شُبْهَةً وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ بِالْأَوْلَى لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ: أَنَّ مُخْتَارَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ حَالَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْغُرُوبِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَفِي حَالِ الشَّكِّ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ لَا تُسْقِطُ الْعُقُوبَاتِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. اهـ.