وَفِي الْقُنْيَةِ نَذَرَ التَّصَدُّقِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَنْوِ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ، وَلَوْ نَذَرَ التَّسْبِيحَاتِ دُبُرَ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ يَوْمٍ كَذَا لَزِمَهُ وَقِيلَ لَا (ثُمَّ إنَّ) الْمُعَلَّقَ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ (عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ كَأَنْ قَدِمَ غَائِبِي) أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي (يُوَفِّي) وُجُوبًا (إنْ وُجِدَ) الشَّرْطُ (وَ) إنْ عَلَّقَهُ (بِمَا لَمْ يُرِدْهُ كَإِنْ زَنَيْت
ــ
[رد المحتار]
عَنْ الْحَيْضِ فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا نَوَى أَبْنَاءَ السَّبِيلِ لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الزَّكَاةِ اهـ.
قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ كَوْنِهَا قُرْبَةً أَوْ مُسْتَحِيلَةَ الْكَوْنِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا لِأَنَّهَا لِلْغَنِيِّ هِبَةٌ كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ التَّسْبِيحَاتِ) لَعَلَّ مُرَادَهُ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فِي كُلٍّ وَأَطْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ تَسْبِيحًا تَغْلِيبًا لِكَوْنِهِ سَابِقًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَلَا فَرْضٌ وَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَكَذَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ النَّذْرِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ هُوَ الْمُصْطَلَحُ ط.
قُلْت: لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَقُولَ دُعَاءَ كَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ) وَكَذَا لَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَعَلَّلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ بِأَنَّهَا لِلصَّلَاةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ إنْ فَعَلْت كَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَكَذَا الطَّوَافُ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ قَالَ فِي بَابِ أَنْوَاعِ الْأَطْوِفَةِ: الْخَامِسُ طَوَافُ النَّذْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ) لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضًا وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَتَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا هِيَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ قَالَ ح: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْفَرْضِ قَطْعِيًّا ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) لَعَلَّ وَجْهَهُ اشْتِرَاطُهُ كَوْنَهُ فِي الْفَرْضِ قَطْعِيًّا ح (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ الْمُعَلَّقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يُرَادُ كَوْنُهُ أَيْ يُطْلَبُ حُصُولُهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ لَا كَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ كَالْمُخْتَارِ وَالْمَجْمَعِ وَمُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ فِي النَّوَادِرِ وَأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ وَقَدْ انْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ، فَظَنَّ أَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَأَنَّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: وَبِهِ يُفْتَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَرْوِيَّ فِي النَّوَادِرِ هُوَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ فَالْإِطْلَاقُ مَمْنُوعٌ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِوَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ التَّخْيِيرِ أَصْلًا وَالثَّانِي التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ تُحْفَةُ التَّحْرِيرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ فَاسِقًا يُرِيدُ شَرْطًا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَعَلَّقْ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute