أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجُرْحِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِوُجُوبِ الْقَوَدِ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْكَمَالِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: ضَرَبَ بِسَيْفٍ فِي غِمْدِهِ فَخَرَقَ السَّيْفُ الْغِمْدَ وَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (كَالْخَنِقِ وَالتَّغْرِيقِ) خِلَافًا لَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ. وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَقَالَا: تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَوْ دَفَنَهُ حَيًّا فَمَاتَ، عَنْ مُحَمَّدٍ يُقَادُ بِهِ مُجْتَبًى بِخِلَافِ قَتْلِهِ بِمُوَالَاةِ ضَرْبِ السَّوْطِ كَمَا سَيَجِيءُ. وَفِيهِ: لَوْ اعْتَادَ الْخَنْقَ قُتِلَ سِيَاسَةً وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ
ــ
[رد المحتار]
الْكِتَابِ مِعْرَاجٌ: أَيْ يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجَرْحِ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الشُّرَّاحُ فَكَانَ النَّقْلُ عَنْهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى.
(قَوْلُهُ فَلَا قَوَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَلْوَالِجِيَّةٌ. أَقُولُ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَمْدِ بِأَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ لِحُصُولِ الْجُرْحِ بِآلَةِ الْقَتْلِ مَعَ قَصْدِ الضَّرْبِ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ قَصْدُ الْقَتْلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَصْدِ ضَرْبِهِ بِالْمُحَدَّدِ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقَتْلِ، فَالشَّرْطُ هُوَ قَصْدُ الضَّرْبِ دُونَ الْقَتْلِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ كَوْنُهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَلِذَا شُرِطَ قَصْدُ الضَّرْبِ بِهِ وَهُنَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِهِ (قَوْلُهُ كَالْخَنِقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا. وَالْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ وَهُوَ مَصْدَرُ خَنَقَهُ: إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ؛ وَالْخَنَّاقُ فَاعِلُهُ وَالْخِنَاقُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: مَا يُخْنَقُ بِهِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ وَتَرٍ اهـ مَغْرِبٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الْقَوَدُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: هَذَا إذَا دَامَ عَلَى الْخَنِقِ حَتَّى مَاتَ؛ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ يُنْظَرُ إنْ دَامَ عَلَى الْخَنِقِ بِمِقْدَارِ مَا يَمُوتُ مِنْهُ الْإِنْسَانُ غَالِبًا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَلَا إجْمَاعًا اهـ.
وَكَذَا فِي التَّغْرِيقِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُهُ النَّجَاةُ لِيَكُونَ عِنْدَهُمَا عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَلَوْ قَلِيلًا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ عَظِيمًا تُمْكِنُ النَّجَاةُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَشْدُودٍ وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ فِي بَيْتٍ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ سَوَاءٌ قَيَّدَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَقَالَا تَجِبُ الدِّيَةُ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَالْكُبْرَى تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ.
وَفِيهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَأَمَّلْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ط أَوَّلَ الْكِتَابِ: وَفِي شَرْحِ الْحَمَوِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: وَلَوْ طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ طَيَّنَ عَلَى إنْسَانٍ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ: وَقَالَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لِمَنْعِ الظَّلَمَةِ مِنْ الظُّلْمِ اهـ (قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ يُقَادُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا عَمْدٌ. فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُقَادُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا حَيْثُ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ هُوَ أَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ، أَمَّا هُنَا فَقَدْ مَاتَ غَمًّا وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ فَيُضَافُ لِلْفَاعِلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَتْلِهِ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الأتقاني: إذَا وَالَى الضَّرَبَاتِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ إذَا وَالَى عَلَى وَجْهٍ لَا تَحْتَمِلُهُ النَّفْسُ عَادَةً اهـ وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ لَوْ اعْتَادَ الْخَنِقَ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ خَنَقَ رَجُلًا لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute