عَلَى اخْتِلَافِ مُودِعِ الْمُودَعِ يَبْرَأُ الْقَابِضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: هَذَا عَلَى الْوِفَاقِ إذْ الرَّدُّ فَسْخٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ فَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَمَرَك فُلَانٌ أَنْ تَسْتَخْدِمَهُ، أَوْ تَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَقَبِلَ فَهَلَكَ الْقِنُّ يَبْرَأُ الْوَكِيلُ، وَلَوْ كَذَبَ وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ مُشِيرٌ فَإِنْ قِيلَ هَلَّا يَضْمَنُ بِالْغُرُورِ قُلْنَا الْغُرُورُ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ فِي الْعَقْدِ وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ.
وَكَّلَهُ بِقَبْضِ بُرٍّ لَهُ عَلَى آخَرَ فَقَبَضَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ جَازَ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا قَبَضَ حَقَّهُ، وَلَوْلَا عَيْبَ فَاسْتَأْجَرَ لِحَمْلِهِ إلَى بَيْتِ الْآمِرِ فَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَزِمَ الْآمِرَ كِرَاؤُهُ اسْتِحْسَانًا إذْ الظَّاهِرُ فِي الْمِصْرِ أَنَّ الْآمِرَ بِالْقَبْضِ آمِرٌ بِالْحَمْلِ إلَيْهِ وَالْمُؤْنَةُ فِي خَارِجِ الْمِصْرِ كَثِيرٌ فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِقَبْضِهِ أَمْرًا بِحَمْلِهِ إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الْكِرَاءُ عَلَى الْآمِرِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ رَقِيقٍ، أَوْ دَوَابَّ فَأَنْفَقَ لِلرَّعْيِ وَالْكِسْوَةِ وَطَعَامِهِمْ كَانَ مُتَبَرِّعًا.
وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَوْ وُهِبَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ، أَوْ أَبْرَأهُ، أَوْ أَخَّرَهُ، أَوْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ وَكِيلَ الْقَبْضِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْبِضَ جِنْسَ الْحَقِّ بِصِفَتِهِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ وَأَمَّا كُلُّ مَا لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ إذَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ ذَلِكَ كَاسْتِبْدَالٍ وَشِرَاءٍ بِدَيْنٍ.
قَالَ لِرَجُلٍ حَرِّرْ قِنِّي، أَوْ دَبِّرْهُ، أَوْ كَاتِبْهُ، أَوْ هَبْهُ مِنْ زَيْدٍ، أَوْ بِعْهُ مِنْهُ، أَوْ طَلِّقْ امْرَأَتِي، أَوْ ادْفَعْ هَذَا الثَّوْبَ إلَى فُلَانٍ فَقَبِلَهُ وَغَابَ مُوَكِّلُهُ لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي دَفْعِ الثَّوْبِ إلَيْهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الثَّوْبَ لَهُ فَيَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِ.
وَكَّلَ الْغَاصِبُ، أَوْ الْمُسْتَعِيرُ رَجُلًا لِيَرُدَّ الْمَأْخُوذَ عَلَى مَالِكِهِ حَيْثُ اسْتَعَارَهُ، أَوْ غَصَبَهُ فِيهِ وَغَابَ مُوَكِّلُهُ لَا يُجْبَرُ وَكِيلُهُ عَلَى حَمْلِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دَفْعُهُ حَيْثُ وَجَدَهُ.
وَفِي الْإِيضَاحِ رَبُّ الْمَتَاعِ لَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَاصِبِ، أَوْ الْمُسْتَعِيرِ كَفِيلًا بِرَدِّهِ يَصِحُّ وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ كَالْأَصِيلِ وَإِذَا رَدَّ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِأَجْرِ عَمَلِهِ إذْ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمِثْلِ مَا أَدَّى وَبِمِثْلِ أَجْرِ عَمَلِهِ، وَلَوْ أَخَذَ وَكِيلًا بِذَلِكَ لَا كَفِيلًا فَإِنَّهُ يَدْفَعُهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى حَمْلِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُتَبَرَّعِ بِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ إذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ، وَالْوَكِيلُ لَمْ يَضْمَنْ الرَّدَّ وَإِنَّمَا وَعَدَهُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى التَّبَرُّعِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَا الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يُجْبَرُ وَيُخَيَّرُ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْإِنْفَاقِ لَا يُجْبَرُ خِزَانَةً.
بَاعَ مَالًا بِوَكَالَةٍ فِي بَلَدٍ نَسِيئَةً لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ لِيَقْضِيَ الثَّمَنَ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوَكِّلَ الْمَالِكَ إمَّا بِشُهُودٍ يَخْرُجُونَ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، أَوْ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ أَنَّهُ يُخَاصِمُ وَيُخَاصَمُ ثُمَّ إنَّ جَمَاعَةً بَرْهَنُوا أَنَّ لَهُمْ عَلَى مُوَكِّلِهِ مَالًا لَا يُحْبَسُ بِهِ وَكِيلُهُ إذْ لَمْ تَنْتَظِمْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ، أَوْ بِالضَّمَانِ قَاضِي خَانْ.
وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ وَمَعَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَفِي أَيْدِيهِمْ وَبِحَبْسِ مَنْ يَرَى حَبْسَهُ وَتَخْلِيَةً عَنْهُ لَوْ رَأَى ذَلِكَ وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ أَنَّهُ يُخَاصِمُ وَيُخَاصَمُ ثُمَّ إنَّ قَوْمًا بَرْهَنُوا أَنَّ لَهُمْ عَلَى مُوَكِّلِهِ مَالًا فَلَا يُحْبَسُ بِهِ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَمْ يَظْلِمْ إذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَمْرٌ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَلَا ضَمَانِ الْوَكِيلِ عَنْ آمِرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَضْمَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ فَلَمْ يَظْلِمْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْأَدَاءِ قَالَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِأَدَاءِ