للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعِنْدَهُ أَنَّهُ شِفَاءٌ وَدَوَاءٌ الثَّانِي الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْجَهْلَ أَوْ يُفْتِي بِالْجَهْلِ، وَالثَّالِثُ الْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْجُرُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَلَا يَمْنَعُ عَنْهُ مَالَهُ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يَجُوزُ بِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ أُخْرَى مِنْهَا الدَّيْنُ إذَا رَكِبَ الرَّجُلَ دُيُونٌ فَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ

كَيْلًا يُتْلِفَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ

فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْجُرُ عَلَيْهِ وَيُشْهِدُ عَلَى حَجْرِهِ، وَالثَّانِي عِنْدَهُمَا السَّفِيهُ يَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَى السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ بِطَلَبِ أَوْلِيَائِهِ وَعَلَى الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ وَلَا يَصْبِرُ عَنْهَا وَيُغَابَنُ فِيهَا وَلَا يَحْجُرُ عَلَى الْفَاسِقِ الَّذِي يَرْتَكِبُ الْمَعَاصِيَ إذَا كَانَ لَا يُبَذِّرُ مَالَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ حَضْرَةُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ الْحَجْرُ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا إلَّا أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُحْجَرُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَجْرُ وَيَعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَجَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْعِلْمِ بَعْدَ الْحَجْرِ يَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ وَإِذَا حَجَرَ عَلَى الْمَدْيُونِ يَظْهَرُ أَثَرُ الْحَجْرِ فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَجْرِ لَا فِيمَا يَكْتَسِبُ وَيَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ وَيَمْنَعُ هَذَا الْمَحْجُورَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَلَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ فَإِذَا زَالَ دَيْنُ هَذَا الْغَرِيمِ يَظْهَرُ صِحَّةُ إقْرَارِهِ السَّابِقِ وَكَذَا لَوْ اكْتَسَبَ مَالًا يَنْفَدُ إقْرَارُهُ فِيمَا اكْتَسَبَ وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَيَنْفُذُ تَبَرُّعَاتُهُ فِيمَا اكْتَسَبَ مَعَ بَقَاءِ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ وَلَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ صَحَّ نِكَاحُهُ فَإِذَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ وَيَظْهَرُ فِي الْمَالِ الَّذِي حَدَثَ لَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ صَحَّ إعْتَاقُهُ أَوْ تَدْبِيرُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَدُّ، وَالْهَزْلُ يَنْفُذُ مِنْهُ وَمَا لَا يَنْفُذُ مِنْ الْهَازِلِ لَا يَنْفُذُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ جَازَ وَبِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَمَنْ لَهُ الضَّمَانُ يُحَاصُّ الْغَرِيمُ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ فِيمَا كَانَ فِي يَدِهِ.

وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنْ بَاعَ الْجَارِيَةَ يُحَاصُّ الْغَرِيمُ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهَا وَمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْحَجْرِ وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ عَقَارِهِ أَوْ عُرُوضِهِ مِنْ الْغَرِيمِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ يَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَحُجِرَ لِدَيْنِهِمَا فَبَاعَ مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ جَازَ وَلَا يَصِيرُ كُلُّ الثَّمَنِ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ فِيهِ إيثَارَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ وَلَكِنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ وَلَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ لِقَوْمٍ لَهُمْ دُيُونٌ مُخْتَلِفَةٌ فَقَضَى دَيْنَ بَعْضِهِمْ تُسَلَّمُ لَهُ حِصَّتُهُ فِيمَا قَبَضَ وَيَدْفَعُ مَا زَادَ عَلَى حِصَّتِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ مِنْ قَاضِي خَانْ.

وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ مَالَهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ وَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً سَلَّمَ إلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ وَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنِسَ الرُّشْدَ وَيَحْجُرَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فَلَوْ بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ عِنْدَهُمَا

وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ

الْحَاكِمُ.

وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَكُونُ مَحْجُورًا مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ وَعَلَى هَذَا

<<  <   >  >>