للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَدْ تَرَكُوا الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ وَإِنْ قَامَ الْقَوْمُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى آخِرِهِمْ لِأَنَّ الْآخِرَ تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ فَتَعَيَّنَ لِلضَّمَانِ.

وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْخَانِ بِدَابَّةٍ وَقَالَ لِصَاحِبِ الْخَانِ: أَيْنَ أَرْبِطُهَا؟ فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ: ارْبِطْهَا هُنَاكَ فَرَبَطَ وَذَهَبَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَلَمْ يَجِدْ الدَّابَّةَ فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ: إنَّ صَاحِبَك أَخْرَجَ الدَّابَّةَ لِيَسْقِيَهَا وَلَمْ يَكُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ صَاحِبٌ كَانَ صَاحِبُ الْخَانِ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَيْنَ أَرْبِطُ الدَّابَّةَ؟ اسْتِيدَاعٌ عُرْفًا وَقَوْلُ صَاحِبِ الْخَانِ هُنَاكَ قَبُولٌ لِلْوَدِيعَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ الْوَجِيزِ.

وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الِاسْتِحْفَاظُ بِأَجْرٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ فَيَتَعَيَّنُ لِلْحِفْظِ مِنْ الْهِدَايَةِ.

وَفِي الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخِلَافِ وَإِطْلَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى الْوِفَاقِ.

وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُودِعَ بِلَا إذْنٍ وَلَا يُصَدِّقَ عَلَى دَعْوَى الْإِذْنِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إيدَاعٌ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ فَلَوْ أَوْدَعَهَا آخَرُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَهَلَكَتْ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَوَّلَ لَا الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ ضَمِنَ الْآخَرُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الْهِدَايَةِ.

وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُؤَاجِرَ الْوَدِيعَةَ وَيَرْهَنَ مِنْ عَارِيَّةٍ الْكَنْزِ.

وَفِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ: الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَلَا تُرْهَنُ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا ضَمِنَ اهـ.

وَفِيهَا مِنْ الْوَدِيعَةِ الْمُودَعُ إذَا سَافَرَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ اهـ.

وَإِذَا شَرَطَ الْمُودِعُ شَرْطًا مُفِيدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَتَقَيَّدُ بِهِ أَكَّدَ بِالنَّهْيِ أَوْ لَا فَلَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ فَيَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ.

وَفِي الْفُصُولَيْنِ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ لَوْ أَحْرَزَ أَوْ سَوَاءٌ وَلَوْ أَكَّدَ بِالنَّهْيِ وَقِيلَ: يَضْمَنُ لَوْ لَمْ يَحْتَجْ فِي وَضْعِهَا دَارًا أُخْرَى لَا لَوْ احْتَاجَ إذْ التَّعْيِينُ يَلْغُو حِينَئِذٍ إذْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ حِفْظُ مَالِهِ بِطَرِيقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ اهـ.

وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا تُسَافِرْ بِهَا فَسَافَرَ بِهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إذْ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ فَكَانَ صَحِيحًا مِنْ الْهِدَايَةِ.

شَرَطَ شَرْطًا مُفِيدًا مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ وَجْهٍ تَقَيَّدَ بِهِ لَوْ أَكَّدَ وَإِلَّا لَا فَلَوْ عَيَّنَ بَيْتًا مِنْ دَارٍ فَحُفِظَ فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا قِيلَ: لَوْ أَكَّدَ بِالنَّهْيِ كَقَوْلِهِ لَا تَحْفَظْ إلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ ضَمِنَ لَا لَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ لَوْ أَحْرَزَ أَوْ سَوَاءٌ وَلَوْ أَكَّدَ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا إذْ الْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ قَلَّمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ ظَاهِرًا بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْبَيْتَانِ عَظِيمَةً وَاَلَّذِي نَهَاهُ عَنْ الْحِفْظِ فِيهِ عَوْرَةٌ ظَاهِرَةٌ صَحَّ الشَّرْطُ فَيَضْمَنُ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ فَلَا يُفِيدُ الشَّرْطُ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا قَالَ الْمُودَعُ لِلْمُودِعِ: احْفَظْ الْوَدِيعَةَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ لَهُ: احْفَظْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْأُخْرَى مِثْلَ الْأُولَى أَوْ أَحْرَزَ مِنْهَا لَا يَضْمَنُ هَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ

<<  <   >  >>