يُضَمِّنُ الثَّالِثَ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ فِي تَضْمِينِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ مَا لَمْ يُعْتَقْ مِنْ الْحَقَائِقِ وَالْمُجْمَعِ.
الْمُودَعُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى غَيْرِهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَوَّلَ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ فَارَقَ ضَمِنَ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَعِنْدَهُمَا يُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ لَكِنْ لَوْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ ضَمَّنَ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ.
وَلَوْ دَفَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ الْمُودَعُ مِنْ الْبَيْنِ كَأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الْمَالِكِ هَذَا إذَا دَفَعَ إلَى الْغَيْرِ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ احْتَرَقَ بَيْتُ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى جَارِهِ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا أَيْضًا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ: ادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ بِالرَّيِّ فَمَاتَ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ: ادْفَعْهُ إلَيْهِ فَضَاعَ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيٌّ.
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ لَهُ: ادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يَدْفَعْهُ حَتَّى ضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ انْتَهَى.
لَوْ أَوْدَعَهُ بَقَرَةً وَقَالَ لَهُ: إنْ أَرْسَلْت ثِيرَانَك إلَى الْمَرْعَى لِلْعَلَفِ فَاذْهَبْ بِبَقَرَتِي أَيْضًا فَذَهَبَ بِهَا دُونَ ثِيرَانِهِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ.
أَوْدَعَ شَاةً فَدَفَعَهَا مَعَ غَنَمِهِ إلَى الرَّاعِي لِلْحِفْظِ فَسُرِقَتْ الْغَنَمُ يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاعِي خَاصًّا لِلْمُودَعِ.
سَلَّمَ الْمُودَعُ الدَّارَ الَّتِي فِي بَيْتٍ مِنْهَا الْوَدِيعَةُ إلَى آخَرَ لِيَحْفَظَهَا إنْ كَانَتْ الْوَدَائِعُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ حَصِينٍ لَا يُمْكِنُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ مِنْ الْقُنْيَةِ.
امْرَأَةٌ أَوْدَعَتْ رَجُلًا وَدِيعَةً كَانَتْ عِنْدَهَا لِغَيْرِهَا ثُمَّ قَبَضَتْهَا ثُمَّ أَوْدَعَتْهَا آخَرَ وَقَبَضَتْهَا مِنْهُ فَفُقِدَ مَتَاعٌ مِنْهَا فَقَالَتْ: ذَهَبَ بَيْنَكُمَا وَلَا أَدْرِي مَنْ أَصَابَهُ وَقَالَا: لَا نَدْرِي مَا كَانَ فِي وِعَائِك لَمْ نُفَتِّشْهُ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْك فَصَالَحْتهمَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ قَالَ: هِيَ ضَامِنَةٌ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ قِيمَتَهُ وَالصُّلْحُ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَائِزٌ ثُمَّ صُلْحُهَا لَا يَخْلُو إنْ كَانَ بَعْدَ مَا ضَمَّنَهَا الْمَالِكُ قِيمَةَ الْمَتَاعِ جَازَ عَلَى أَيِّ بَدَلٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُضَمِّنَهَا صَالَحَتْهُمَا بِمِثْلِ قِيمَةِ الْمَتَاعِ أَوْ أَقَلَّ عَلَى قَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَبَرِئَا عَنْ الضَّمَانِ لِلْمَتَاعِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْمَتَاعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُودَعَيْنِ سَبِيلٌ وَلَوْ صَالَحَتْهُمَا عَلَى أَقَلِّ قَدْرِ مَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَرْأَةَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَيْنِ إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْمَتَاعِ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُودَعَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا دَفَعَا إلَيْهَا وَإِنْ ضَمَّنَ الْمَرْأَةَ نَفَذَ الصُّلْحُ عَلَيْهِمَا وَالْعَارِيَّةُ كَالْوَدِيعَةِ وَكَذَا كُلُّ مَالٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ كَالْمُضَارَبَةِ هَذِهِ فِي الصُّلْحِ مِنْ الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ دَفَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ رَبِّهَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مِنْ قَاضِي خَانْ قُلْتُ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ رَبِّهَا ذَكَرَهُ فِي الصُّغْرَى.
رَجُلٌ غَابَ وَخَلَفَ عِنْدَ أَبِيهِ وَدِيعَةً فَجَاءَتْ امْرَأَةُ الِابْنِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْوَدِيعَةِ النَّفَقَةَ فَدَفَعَ إلَيْهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ ضَامِنًا مِنْ قَاضِي خَانْ.
دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودَعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُودَعُ لِرَدِّهِ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ رَبُّهَا: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُودَعِ وَالْآخِذِ مِنْ الصُّغْرَى