قال الباجي:(فصل) وقوله: ولكن ترد الأيمان على المدعى عليهم، فيحلف منهم خمسون رجلا، يريد أنه يحلف الجماعة في النكول كما يحلف الجماعة في الدعوى؛ لأن أيمان القسامة لما لم يحلف فيها إلا اثنان فما زاد من المدعى عليهم. وقد روى ابن حبيب عن مطرف عن مالك أنه لا يحلف إلا المدعى عليه وحده بخلاف المدعي، وقال مطرف: لأن الحالف المدعى عليه إنما يبرئ نفسه.
ووجه رواية ابن القاسم: ما روى أبو قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمدعين: «أترضون خمسين يمينا من اليهود ما قتلوه (١) » فمقتضى ذلك أن القسامة مختصة بهذا العدد ولا يزاد عليه؛ لأن اليهود كانوا أكثر من خمسين، ومن جهة المعنى أنه لما جاز أن يحلف مع ولي الدم المدعي له غيره جاز أن يحلف مع المدعى عليه المنكر له غيره.
ووجه آخر: أن الدماء مبنية على هذا، وهو: أن يتحملها غير الجاني مع الجاني كالدية في قتل الخطأ، فإن الأيمان لما كانت خمسين وكانت اليمين الواحدة لا تتبعض- لم يجز أن يكون الحالفون أكثر من خمسين.
(مسألة) : فإذا قلنا: يحلف غيره من عصبته فقد قال ابن القاسم، ورواه هو وابن وهب عن مالك: يحلف خمسون من أولياء المقتول خمسين يمينا وإن لم يكن منهم من يحلف إلا اثنان حلفا خمسين يمينا وبرئ المدعى عليه، ولا يحلف هو معهم فيحلف هو بعضها وهم بعضها، فإن لم يوجد من يحلف من عصبته إلا واحد لم يحلف معه وحلف المدعى عليه وحده خمسين يمينا.
وقال عبد الملك: يحلف هو ومن استعان به من عصبته على السواء،