القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم، بل هو ترك الأفضل، وهو مذهب الشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد: اختارها الخرقي.
واحتجوا: بأن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها أبو حفص بن المغيرة ثلاثا، وبأن امرأة رفاعة طلقها زوجها ثلاثا، وبأن الملاعن طلق امرأته ثلاثا، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وأجاب الأكثرون: بأن حديث فاطمة، وامرأة رفاعة، إنما طلقاهما ثلاثا متفرقات، هكذا ثبت في الصحيح: أن الثالثة آخر ثلاث تطليقات، لم يطلق ثلاثا لا هذا ولا هذا مجتمعات، وقول الصحابي: طلق ثلاثا، يتناول ما إذا طلقها ثلاثا متفرقات بأن يطلقها ثم يراجعها، ثم يطلقها ثم يراجعها، ثم يطلقها، وهذا طلاق سني واقع باتفاق الأئمة، وهو المشهور على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى الطلاق ثلاثا، وأما جمع الثلاث بكلمة، فهذا كان منكرا عندهم، إنما يقع قليلا، فلا يجوز حمل اللفظ المطلق على القليل المنكر دون الكثير الحق، ولا يجوز أن يقال: يطلق مجتمعات لا هذا ولا هذا، بل هذا قول بلا دليل، بل هو بخلاف الدليل.
وأما الملاعن فإن طلاقه وقع بعد البينونة، أو بعد وجوب الإبانة التي تحرم بها المرأة أعظم مما يحرم بالطلقة الثالثة، فكان مؤكدا لموجب اللعان، والنزاع إنما هو في طلاق من يمكنه إمساكها، لا سيما والنبي صلى الله عليه وسلم قد فرق بينهما، فإن كان ذلك قبل الثلاث لم يقع بها ثلاث ولا غيرها، وإن كان بعدها دل على بقاء النكاح، والمعروف: أنه فرق بينهما بعد أن طلقها ثلاثا، فدل ذلك على أن الثلاث لم يقع بها، إذ لو وقعت لكانت قد حرمت