وبعد: فلقد كانت مسألة تدوين الأحكام الشرعية الراجحة في كتاب يعمم على المحاكم وإلزام القضاة التمشي بموجبه - موضع دراسة من قبل هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة؛ بناء على رغبة المقام السامي.
وبعد الاطلاع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث حول تلك المسألة وتبادل الرأي بشأنها - أسفرت الدراسة عن انقسام الرأي في المسألة بين مانع ومجيز.
وحيث أننا نحن الموقعين أدناه نرى جواز ذلك؛ تحقيقا للمصلحة العامة - وقد أدلى كل منا في المسألة برأيه مقتضبا حينما جرى استطلاع الآراء - دون ذكر للاستنادات والمبررات والاعتبارات التي بنينا فيها آرائنا - فإننا نوضح ذلك فيما يلي:
أولا: هناك مجموعة اعتبارات يحسن بنا قبل البدء في توجيه ما نراه إيرادها.
أ- ما أجمع عليه المعنيون بالدراسات الاجتماعية
من أن القضاء يعتبر عنوانا لما عليه البلاد من حال، فإن كان قويا مهيبا دقيقا في تحقيق العدل والإنصاف - كان ذلك دليلا على قوة البلاد وحسن إدارتها، وإن كان غير ذلك دل على ضعفها واضطرابها، وفوضويتها، كما أجمعوا على أن أول ما تفقده البلاد عند اضطرابها وتزعزعها النزاهة في المرافق القضائية.