للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} (١) قولان:

أحدهما: أن المراد: لا تجعلوا اليمين بالله تعالى عرضة بينكم وبين أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس فتحلفوا، لا تفعلوا فتبقى اليمين متعرضة بين الحالف وبين البر والتقوى، فنهاهم الله عن اليمين على ذلك، ثم شرع لهم الكفارة للتخلص من هذا المنع ليكون طريقا للحالف إلى الرجوع إلى البر والتقوى والإصلاح؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير (٢) » .

والقول الثاني: أن المراد: لا تجعلوا اسم الله عرضة لأيمانكم فتبتذلوه بالحلف به في كل شيء، وقوله: {أَنْ تَبَرُّوا} (٣) معناها: إرادة أن تبروا، يعني: إذا لم تبتذلوا اسم الله في كل يمين قدرتم على البر، ثم شرع لهم الكفارة لتكون جابرة لما يحصل من انتهاك حرمة الاسم المعظم، ولا شك أن اليمين بالله تعالى مرادة في الآيتين، وهي اليمين الشرعية، وهي التي شرعت الكفارة فيها أصلا فالحالف يعقد اليمين بالله على أن يفعل كذا أو أن لا يفعل كذا، فإذا قال: (والله لا أفعل) أو (والله لأفعلن) فقد أكد عقده بهذا الاسم المعظم؛ ولهذا نهي عن الحلف بغير الله عز وجل، ونقل ابن عبد البر إجماع العلماء: أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها.

ومن هنا قال أهل الظاهر: لا كفارة إلا في اليمين بأسماء الله عز وجل وصفاته ولا تجب الكفارة في يمين غير ذلك، وممن قال بهذا القول: الشعبي والحكم والحارث العكلي وابن أبي ليلى ومحمد بن الحسن، نقله ابن عبد البر وقال: هو الصواب عندنا والحمد لله.


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٤
(٢) صحيح البخاري كتاب كفارات الأيمان (٦٧٢١) ، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٨٠) .
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>