للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحالة الرخص، ولا فرق بين المجلوب وغيره، وإلى ذلك مال الجمهور ... وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للآدمي ولغيره من الحيوانات، وبين ما كان من غير ذلك من الإدامات وسائر الأمتعة (١) .

ويمكن أن يجيب المجيزون عن الاستدلال بهذه الأحاديث بوجهين:

الأول: يحتمل أن يكون هذا من تصرفاته صلى الله عليه وسلم بمقتضى الأمانة وأنه عليه الصلاة والسلام راعى المصلحة التي كانت تدعو إليها تلك الظروف، ويمكن أن يدفع ذلك بأن القاعدة العامة في الشريعة: أن النصوص عامة في التشريع من حيث الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وأنها وحي من الله عز وجل، وحملها على صورة معينة يكون بها الدليل خاصا بزمان ومكان وشخص وحال- خلاف الأصل، فيحتاج إلى دليل، وكذلك حمل الأحاديث على أنها من تصرفاته الاجتهادية عليه الصلاة والسلام.

والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال (٢) » ، دليل صريح على أن علة ما قرره في أمر التسعير هو: مراعاة أن لا يظلم أحدا من الناس، سواء كان بائعا أو مشتريا، وهو يكون بالمحافظة على ميزان العدالة بينهم، وذلك كما يكون بحماية البائع من إلزام المشتري إياه بسعر دون الذي يريد، كذلك يكون بحماية المشتري من إلزام البائع إياه بالغبن الفاحش واستغلال ضرورته لإيقاع المظلمة به، ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم لو رأى من الباعة ميلا إلى هذا الظلم لأخذ على أيديهم وألزمهم بحد لا يتجاوزونه، وذلك بمقتضى قوله: «إني لأرجو أن ألقى الله


(١) [نيل الأوطار] (٥\ ٢٣٣) ، ويرجع إلى [فتح العلام] (٢\ ٢٠) .
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤) ، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١) ، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٢٨٦) ، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>