للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالاتفاق؛ لأن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع الضرر العام، والسعر لما غلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه التسعير فامتنع لم يذكر أنه كان هناك من عنده طعام امتنع من بيعه، بل عامة من كانوا يبيعون الطعام إنما هم جالبون يبيعونه إذا هبطوا السوق، لكن نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد: نهاه أن يكون له سمسارا وقال: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (١) » وهذا ثابت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه فنهى الحاضر العالم بالسعر أن يتوكل للبادي الجالب للسلعة؛ لأنه إذا توكل له مع خبرته بحاجة الناس إليه أغلى الثمن على المشتري، فنهاه عن التوكل له - مع أن جنس الوكالة مباح - لما في ذلك من زيادة السعر على الناس، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب، وهذا أيضا ثابت في الصحيح من غير وجه، وجعل للبائع إذا هبط إلى السوق الخيار، ولهذا كان أكثر الفقهاء على أنه نهى عن ذلك لما فيه من ضرر البائع بدون ثمن المثل وغبنه، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الخيار لهذا البائع، وهل هذا الخيار فيه ثابت مطلقا أو إذا غبن؟ قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد، أظهرهما أنه إنما يثبت له الخيار إذا غبن، والثاني يثبت له الخيار مطلقا، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقالت طائفة: بل نهى عن ذلك؟ لما فيه من ضرر المشتري إذا تلقاه المتلقي فاشتراه ثم باعه.

وفي الجملة: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء الذي جنسه حلال حتى يعلم البائع بالسعر، وهو ثمن المثل، ويعلم المشتري بالسلعة، وصاحب القياس الفاسد يقول: للمشتري أن يشتري حيث شاء، وقد اشترى من البائع كما يقول، وللبادي أن يوكل الحاضر، لكن الشارع رأى المصلحة العامة، فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلا بثمن المثل فيكون


(١) سنن الترمذي البيوع (١٢٢٣) ، سنن النسائي البيوع (٤٤٩٥) ، سنن أبو داود البيوع (٣٤٤٢) ، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٧٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>