للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر، لا يمكن الاشتراك فيه. فإن الكتابة متميزة، والتحمل متميز، لا يقع في ذلك اشتراك ولا تعاون فبأي وجه يستحق أحدهما أجرة عمل صاحبه؟ وهذا بخلاف الاشتراك في سائر الصناع، فإنه يمكن أحد الشريكين أن يعمل بعض العمل والآخر بعضه؛ ولهذا إذا اختلفت الصنائع: لم تصح الشركة على أحد الوجهين لتعذر اشتراكها في العمل، ومن صححها نظر إلى أنهما يشتركان فيما تتم به صناعة كل واحد منهما من الحفظ والنظر إذا خرج لحاجة، فيقع الاشتراك فيما يتم به عمل كل واحد منهما، وإن لم يقع في عين العمل. وأما شركة الدلالين: ففيها أمر آخر، وهو: أن الدلال وكيل صاحب السلعة في بيعها، فإذا شارك غيره في بيعها كان توكيلا له فيما وكل فيه، فإن قلنا: ليس للوكيل أن يوكل لم تصح الشركة، وإن قلنا: له أن يوكل صحت، فعلى والي الحسبة أن يعرف هذه الأمور ويراعيها، ويراعي مصالح الناس، وهيهات هيهات ذهب ما هنالك.

والمقصود: أنه إذا منع القسامون ونحوهم من الشركة، لما فيه من التواطؤ على إغلاء الأجرة، فمنع البائعين الذين تواطئوا على أن لا يبيعوا إلا بثمن مقدر أولى وأحرى، وكذلك يمنع والي الحسبة المشترين من الاشتراك في شيء لا يشتريه غيرهم؛ لما في ذلك من ظلم البائع، وأيضا: فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع أو تبيعها: قد تواطئوا على أن يهضموا ما يشترونه فيشترونه بدون ثمن المثل، ويبيعون ما يبيعونه بأكثر من ثمن المثل، ويقتسمون ما يشتركون فيه من الزيادة كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (١)


(١) سورة المائدة الآية ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>