للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (١) فلم يفهم أحد من هذه الآية خاصة أن سبيل الله فيها مقصور على القتال وما يتعلق به بدليل ذكر المن والأذى، وهما إنما يكونان عند الإنفاق على الفقراء وذوي الحاجة وبخاصة الأذى، وكذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (٢) فالمراد بسبيل الله في هذه الآية المعنى الأعم - كما قال الحافظ ابن حجر (٣) - لا خصوص القتال، وإلا لكان الذي ينفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل ونحوها- دون خصوص القتال- داخلا في دائرة الكانزين المبشرين بالعذاب. وزعم بعض المعاصرين: أن كلمة {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (٤) إذا قرنت بالإنفاق كان معناها الجهاد جزما ولا تحتمل غيره مطلقا، وهو زعم غير مبني على الاستقراء التام لموارد الكلمة في الكتاب العزيز، وآيتا البقرة والتوبة المذكورتان تردان عليه.

٢ - والمعنى الثاني معنى خاص، وهو: نصرة دين الله، ومحاربة أعدائه، وإعلاء كلمته في الأرض، {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (٥) والسياق هو الذي يميز هذا المعنى الخاص من المعنى العام السابق، وهذا المعنى هو الذي يجيء بعد القتال والجهاد مثل: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (٦)


(١) سورة البقرة الآية ٢٦٢
(٢) سورة التوبة الآية ٣٤
(٣) [فتح الباري] (٣ \ ١٧٢) .
(٤) سورة التوبة الآية ٦٠
(٥) سورة البقرة الآية ١٩٣
(٦) سورة آل عمران الآية ١٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>