للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرفع ويخفض، وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة (١) » . قالوا: ولأن إجبار الناس على ذلك ظلم لهم.

فصل: وأما صفة ذلك عند من جوزه، فقال ابن حبيب: ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء ويحضر غيرهم، استظهارا على صدقهم، فيسألهم: كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد، حتى يرضوا به، ولا يجبرهم على التسعير، ولكن عن رضى.

قال أبو الوليد: ووجه هذا أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضى، بما لا ربح لهم فيه: أدى ذلك إلى فساد الأسعار، وإخفاء الأقوات، وإتلاف أموال الناس. قال شيخنا: فهذا الذي تنازعوا فيه، وأما إذا امتنع الناس من بيع ما يجب عليهم بيعه، فهنا يؤمرون بالواجب، ويعاقبون على تركه، وكذلك كل من وجب عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع.

ومن احتج على منع التسعير مطلقا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو المسعر القابض الباسط، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال (٢) » قيل له: هذه قضية معينة وليست لفظا عاما، وليس فيها أن أحدا امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا بذله صاحبه- كما جرت العادة، ولكن الناس تزايدوا فيه- فهنا لا يسعر عليهم، وقد ثبت في [الصحيحين] أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الزيادة على ثمن المثل في عتق الحصة من العبد المشترك، فقال:


(١) سنن أبو داود البيوع (٣٤٥٠) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٣٧) .
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤) ، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١) ، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٢٨٦) ، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>