وتقدم جواب الإمام أحمد رحمه الله لما سأله مهنا عمن نزل الحجر أيشرب من مائها أو يعجن به؟ قال: لا إلا من الضرورة، لا يقيم بها.
وحاصل ما سبق: أن من ذكر من العلماء استدل بالأدلة التي سبقت على عدم جوازها إحياء ديار ثمود، وأنه لا يجوز استعمال مائها للطهارة أو شرب أو طبخ، ولا يجوز التيمم بترابها، وأن الأدلة دلت على ذلك، وأن توجيه الاستدلال منها كما يأتي:
١ - نهى صلى الله عليه وسلم عن دخول ديار ثمود، إلا في حال البكاء، وأنه لا بد من ملازمة البكاء ما دام باقيا فيها، ولو أنه بقي في أي جزء منها بدون هذه الصفة صدق عليه أنه دخل ذلك الجزء وهو غير باك فيكون منهيا عن الدخول فيه، فكما أنه منهي عن الدخول ابتداء إلا وهو متصف بالبكاء فنهيه عن الاستمرار بدون البكاء من باب أولى، فهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم، والنهي يقتضي التحريم والفساد، هذه هي القاعدة العامة في ذلك، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل يدل على ذلك، وكما صدر القول منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن دخول ديارهم إلا في حالة الاتصاف بالبكاء، فقد قنع رأسه، وأسرع السير وهو على الرحل حتى اجتاز الوادي، والإحياء يترتب عليه البقاء فيها وبناء المساكن، ولا يمكن دوام البقاء مع ملازمة البكاء، ودوام البقاء مع ملازمة البكاء ممتنع، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم، فيمتنع الإحياء لامتناع البقاء مع ملازمة البكاء.
٢ - أمره صلى الله عليه وسلم بعدم الشرب من مائها، وعدم الطبخ، وأمره صلى الله عليه وسلم بطرح العجين الذي عجنوا به من مائها، وبإهراق الماء الذي استقوا من الآبار،