وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره (١) » فذم الغادر، وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر.
فقد جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك.
ولما كان الأصل فيها الحظر والفساد إلا ما أباحه الشرع- لم يجز أن يؤمر بها مطلقا ويذم من نقضها وغدر مطلقا، كما أن قتل النفس لما كان الأصل فيه الحظر إلا ما أباحه الشرع أو أوجبه، لم يجز أن يؤمر بقتل النفوس ويحمل على القدر المباح، بخلاف ما كان جنسه واجبا؛ كالصلاة والزكاة، فإنه يؤمر به مطلقا، وإن كان لذلك شروط وموانع، فينهى عن الصلاة بغير طهارة، وعن الصدقة بما يضر النفس ونحو ذلك
وكذلك الصدق في الحديث مأمور به وإن كان قد يحرم الصدق أحيانا لعارض، ويجب السكوت أو التعريض.
وإذا كان جنس الوفاء، ورعاية العهد مأمورا به: علم أن الأصل صحة العقود والشروط، إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده، ومقصود العقد: هو الوفاء به، فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العهود دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة.
وقد روى أبو داود والدارقطني من حديث سليمان بن بلال، حدثنا
(١) صحيح البخاري الإجارة (٢٢٧٠) ، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٤٢) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٥٨) .