للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف في هذا بين المتقدمين من فقهاء المذاهب، والدليل على ذلك: أن القاضي مأمور أن يحكم بالحق، والحق ما يعتقده صحيحا، سواء كان الاعتقاد عن طريق بذل الجهد والنظر، أم عن طريق الاقتناع برأي إمامه والعلم بمذهبه. وهذا يتفق مع قولهم: إن من شرط صحة القضاء أن يحكم القاضي برأيه من غير تفرقة بين ما إذا قيده السلطان أو لم يقيده، ولا بين ما إذا كان القاضي مجتهدا أو مقلدا؛ لأن المقلد رأيه هو رأي إمامه الذي هو مذهبه.

وفي (١) [رسائل ابن عابدين] عن أنفع الوسائل: أن القاضي المقلد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر في المذهب، إلا أن ينص الفقهاء على أن الفتوى على غير ذلك، وفي (٢) [حاشية ابن عابدين على الدر] : (ولو قيد السلطان القاضي بصحيح مذهبه، كما في زماننا تقيد بلا خلاف، ولو قيده بضعيف المذهب فلا خلاف بعدم صحة حكمه) ، وهذان النقلان يشعران بأنه إذا قيده بغير مذهبه لا يتقيد بعد بطريق الأولى، كما يشعران بأن هذا التقييد لا يتجه إلى المجتهد أيضا بطريق الأولى. كما (٣) أن ابن قدامة الحنبلي يقول: إنه لا يجوز أن يقلد القضاء الواحد على أن يحكم بمذهب بعينه عند أحمد والشافعي ولا أعلم فيه خلافا؛ لأن الحق لا يتعين في مذهب، وهذا يشعر أيضا بالإطلاق بالنسبة للقاضي مجتهدا أو مقلدا هذا الإطلاق المستفاد من كلمة (أن يقلد القضاء الواحد) ، وقد


(١) [رسائل ابن عابدين] (٢\ ٧٥) .
(٢) [حاشية ابن عابدين] (٤\ ٣٦٩) .
(٣) [المغني] (٩\ ١٠٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>