العلماء المجتهدين دون بعض؛ لأنه لم يتعين أن يكون هو الحق حتى يتفق عليه من يعتد بهم في الإجماع فيمكن أن يرجع إليه، لكونه إجماعا في نظر بعض الأصوليين، هذا وآيات القرآن في هذا المعنى كثيرة، اجتزأنا عنها بما ذكر.
ب- وأما السنة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار (١) » رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه، ومن عرف الحق حسب اجتهاده واقتنع به، أو اقتنع به واعتقده؛ ثقة لمقلده، وتحسينا للظن به، ثم حكم بغير ما ظهر له أنه الحق- فقد جار وأثم، وكان من أهل النار، فلا يصح أن يشترط عليه في التولية، أو يؤمر بعدها أن يحكم بغير ما ظهر له أنه الحق، وفي معنى هذا كثير من الأحاديث الصحيحة.
ج- وأما الإجماع: فقد جرى العمل على ما تقدم في تولية رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاة وإمضائه ما اختلف فيه من الأعمال، بناء على اختلاف فهم المجتهدين في المسائل النظرية التي يعذر في مثلها من أخطأ، ثم جرى العمل على هذا في عهد الخلفاء الراشدين ومن تبعهم من ولاة وعلماء القرون المشهود لها بالخير إلى ما شاء الله، فكان هذا إجماعا عمليا يلزم الوقوف معه والعمل بمقتضاه، فلا يصح أن يلزم من تولى الفصل في الخصومات أن يحكم فيها بغير ما رجح عنده عن اجتهاد أو عن ثقة بمن قلده من المجتهدين، وإن كان ما ألزم به راجحا عند غيره.
(١) سنن الترمذي الأحكام (١٣٢٢) ، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٧٣) ، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣١٥) .