واستمرت القراءة لهذا اليوم. فكذا إلزام القضاة بالقول الراجح من أقوال الفقهاء، بل هو أولى بأن أقوال الفقهاء شرع مؤول يحتمل كل منها الخطأ أو الصواب، والقراءات شرع منزل كلها حق لا يحتمل الخطأ، فكان الإلزام واجبا؛ رعاية للمصلحة.
ونوقش هذا بأمور:
الأول: أن عثمان ومن وافقه من الصحابة استندوا إلى مصلحة شهدت لها أصول الشريعة، فإن في قصره على حرف واحد، حفظا للدين بحفظ أصله- وهو القرآن- من الاختلاف فيه، وحفظا للنفوس، وبيانه: أن حذيفة أخبره بأن الصحابة اختلفوا في القراءة اختلافا تخشى منه الفتنة ووقوع القتال بينهم، وفي اختلافهم واقتتالهم ضياع للدين، وقضاء على وحدة المسلمين وقوتهم، بل قضاء على نفوسهم، وحفظ الدين والنفوس من الضروريات الخمس، فوجب إيثار ذلك على بقاء القراءات؛ لأن بقاءها كمالي للاستغناء عنها بقراءة منها؛ لتضمنها ما في القراءات الأخرى من المعاني والأحكام، بخلاف إلزام القضاة أن يحكموا بقول راجح اختير من قولين أو أقوال للفقهاء، فإن ما ظن فيه من المصلحة غير معتبر؛ لشهادة الأدلة السابقة بعدم اعتباره، ولأن القراءات كلها معصومة متحدة الأحكام والمقاصد، فصح الاكتفاء بواحدة منها، بخلاف أقوال الفقهاء، فإنها مختلفة في مقاصدها وأحكامها، ولا ينحصر الحق في واحد منها - فلم يجز الاقتصار على ما يرى جماعة من العلماء أنه الراجح منها وإلزام الناس به، فقد يكون الحق فيما ترك.
الثاني: أنه منع من القراءة بما يخالف مصحفه، أما الاحتجاج