للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحريري، وقد كان الحريري رحمه الله تعالى توقع أن يوجد في عصره أمثال أولئك المتنطعين الذين حرموا قصة زهير الأندلسي، فرد عليهم بقولهم في فاتحة مقاماته:

على أني وإن أغمض لي الفطن المتغابي، ونضح عني المحب المحابي، لا أكاد أخلص من غمر جاهل، أو ذي غمر (حقد) متجاهل، يضع مني لهذا الوضع، ويندد بأنه من مناهي الشرع، ومن نقد الأشياء بعين المعقول، وأمعن النظر في مباني الأصول، نظم هذه المقامات، في سلك الإفادات، وسلكها مسلك الموضوعات، عن العجماوات والجمادات، ولم يسمع بمن نبا سمعه عن تلك الحكايات، وأثم رواتها في وقت من الأوقات، ثم إذا كانت الأعمال بالنيات، وبها انعقاد العقود الدينيات، فأي حرج على من أنشأ ملحا (١) للتنبيه، لا للتموين، ونحا بها منحى التهذيب، لا الأكاذيب، وهل هو في ذلك إلا بمنزلة من انتدب لتعليم، وهدي إلى صراط مستقيم (٢) .

فهو يقول: إنه لم يعرف عن أحد من علماء الأمة إلى زمنه أنه حرم أمثال تلك القصص التي وضعت عن الحيوانات ككتاب [كليلة ودمنة] وغيره؛ لأن المراد بها الوعظ والفائدة، وصورة الخير في جزئياتها غير مرادة، وما سمعنا بعده أيضا أن أحدا من العلماء حرم قراءة مقاماته، ولكن اجتهاد بعض المغرورين بالحظوة عند العوام، يتجرءون على تحريم ما لم يحرمه


(١) وردت في المنار (مقامات) .
(٢) [مقامات الحريري] تحقيق سلفستر دي ساسي. باريس - دار الطباعة الملكية ١٨٢٢ صـ (١١، ١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>