للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد ذاته يعد في العرف العام تنقيصا أو إخلالا ما بما يجب من التكريم - وكون الممثلين من عوام الناس، وقد علمت ما في هذا وذاك.

الوجه الرابع: أن من خصائص القصص التمثيلية: الكذب، وأن الكذب على الأنبياء ليس كالكذب على غيرهم، فإذا جاز أن يسند إلى أسماء لا مسميات لها كلام تقصد به العظة والفائدة، كما يحكون مثل ذلك عن ألسنة الطير والوحش، وهو ما احتج به الحريري في فاتحة مقاماته على جواز وضعه لها، وإذا صح أن يقاس على ذلك إسناد مثل ذلك الكلام إلى أناس معروفين من الملوك وغيرهم فيما لا ضرر فيه، ولا إفساد في التاريخ ولا غيره من الحقائق - إذا جاز ما ذكر وصح القياس فلا يظهر جواز مثله في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، على أن في المسألة نصا خاصا لا محل للقياس مع مورده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (١) » رواه الشيخان في الصحيحين وغيرهما من حديث سعيد بن زيد، وروي عجزه - وهو: "من كذب علي" إلخ متواترا، وروى أحمد من حديث عمر مرفوعا: «من كذب علي فهو في النار (٢) » وهو مطلق لم يقيد بالتعمد، وإسناده صحيح، وقياس الكذب على غيره من إخوانه الرسل عليه الصلاة والسلام - جلي، فهو أقرب من قياس الكذب على الرسل على الكذب على العجماوات الذي احتج به الحريري، وأشار إلى اتفاق العلماء على جوازه، والكذب عليهم يشمل ما يحكى عنهم من أقوال لم يقولوها، وما يسند إليهم من أعمال لم يعملوها.

فإن قيل: إنه يمكن وضع قصة لبعض الرسل يلتزم فيها الصدق في كل


(١) صحيح البخاري الجنائز (١٢٩١) ، صحيح مسلم مقدمة (٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٢٥٢) .
(٢) مسند أحمد بن حنبل (١/٤٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>