الثانية فإنها وإن كانت شبيهة بضرب الخيام من جهة سهولة فكها بعد تركيبها، وإزالتها بعد إقامتها- غير أنها قد تفضي على مر الأيام وطول العهد إلى الإبقاء عليها في مكانها، وتنتهي إلى الطمع في سكناها، ودعوى تملكها أو الاختصاص بها، ومن القواعد العامة في الشريعة: سد ذرائع المحظورات، والقصد إلى حماية الناس من المحرمات، والتحذير من الحوم حول حماها خشية الوقوع فيها، كما دل عليه حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه (١) » . . . إلى آخر الحديث. فينبغي منع ذلك.
وجملة القول: أن المسألة نظرية للاجتهاد فيها مجال؛ لترددها بين مباح ومحظور، وأخذها بطرف من الشبه بكل منهما، شأنها في ذلك شأن كثير من مسائل الفقه التي تندرج تحت قياس الشبه، أو يرجع في بيان حكمها إلى القاعدة القائلة:(الأمور بمقاصدها) ، ومنها: سد ذرائع المحظورات.
وفيما يلي ذكر ما ورد من السنة في حكم البناء بمنى، وطرف من كلام الفقهاء في ذلك:
في [مسند الإمام أحمد] : حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا إسرائيل وزيد بن الحباب، قال: أخبرني إسرائيل - المعني- عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أمه، عن عائشة: ألا نبني لك بمنى بيتا أو بناء يظلك من الشمس؟
(١) صحيح البخاري الإيمان (٥٢) ، صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٩) ، سنن الترمذي البيوع (١٢٠٥) ، سنن النسائي البيوع (٤٤٥٣) ، سنن أبو داود البيوع (٣٣٢٩) ، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٨٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٢٧٠) ، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣١) .