منهما من الحدود لا القود والقصاص. وأيضا في ذلك سد لذريعة الفساد والفوضى في الدماء، والقضاء على الاحتيال والخديعة وسائر طرق الاغتيال، وبذلك يخصص عموم النص في وجوب القتل قصاصا، فيحمل على ما عدا قتل الغيلة.
وهنا إيراد على كلا الفريقين، وهو أن ما ادعاه كل منهما من الإجماع على ما أورده من القضايا في الآثار مردود بأنه مجرد سكوت ممن بلغه ذلك عند المعارضة في حكم صدر من ولي الأمر العام أو نائبه في قضايا أعيان من المسائل الاجتهادية، ومثل ذلك يتعين حمله على الموافقة، فقد يكون من سمع ذلك أو بلغه من العلماء مخالفا فيه، لكنه لم ينكر؛ لما تقرر عند العلماء من أن حكم الحاكم في واقعة عين اجتهادية يرفع الخلاف ويجب إمضاؤه، وعلى هذا لا تصح دعاوى الإجماع فيما تقدم ذكره في الآثار من الأحكام، ولهذا أمثلة كثيرة: منها: قضاء عمر في المشركة أولا بحرمان الأشقاء؛ لاستغراق الفروض كل التركة، وقضاؤه في مثلها ثانيا بتشريك الأشقاء مع الإخوة من الأم في سهمهم، ولم يكن سكوت الصحابة عن حكمه الأول إجماعا؛ وكذا لم يكن سكوتهم عن حكمه الثاني إجماعا، ولذا استمر الخلاف بين العلماء حتى اليوم في حكم هذه المسألة، فمنهم من رأى الصواب في حكمه الأول، ومنهم من رأى الصواب في حكمه الثاني.
ومن ذلك ما ورد في المدونة، في مسألة الغيلة من أن سحنونا قال لابن القاسم: أرأيت من قتل قتل غيلة، ورفع إلى قاض من القضاة فرأى ألا يقتله، وأن يمكن أولياء المقتول منه. ففعل، فعفوا عنه، ثم استقضى غيره