للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك لا يصح لأحد أن يقول: إن عمر رضي الله عنه أسقط سهم المؤلفة قلوبهم، إن ذلك قول الإفرنجة الذين لا يرجون للإسلام وقارا ويريدون توهين نصوصه، وتبعهم بعض كبار العلماء عن غير بينة، وكل امرئ يخطئ ويصيب مهما كانت منزلته العلمية.

وأما مسألة عدم قيام الحد عام الرمادة، وهو السنة التي اشتدت فيها المجاعة على المسلمين؛ فذلك لأن عمر رضي الله عنه وجد شبهة في إقامته، ومن المقررات الفقهية: أن الحدود تدرأ بالشبهات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا بالشبهات ما استطعتم (١) » ، والشبهة: أنه رأى السارقين في حال جوع شديد واضطرار، ويعلم كل فقير أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن من كان في حال جوع يتعرض فيه للتلف إذا لم يأكل يباح له مال غيره بقدر ما يسد رمقه، وإذا منعه فقاتله فقتل صاحب الطعام لا دية فيه، والقصة تنبئ عن ذلك، فإن غلمان حاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة ونحروها وأكلوها، فهم عمر بأن يقيم الحد عليهم، ولكنه تبين له أن حاطبا يجيع غلمانه، فلم يقم الحد وغرمه، أليس في الخبر ما يدل على أنه درأ الحد بشبهة الاضطرار، وقد اشتكوا إليه وثبتت صحة شكواهم، والعام عام مجاعة؛ ولذلك يقرر فقهاء الحنابلة وكثيرون غيرهم أن من شرط إقامة الحد في السرقة ألا يكون السارق قد سرق طعامه في مجاعة؛ لمكان شبهة الاضطرار في إقامة الحد (٢) .


(١) خرجه ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة.
(٢) [أسبوع الفقه الإسلامي] ، ص (٥٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>