ومن القائلين بجواز التأمين مطلقا: الأستاذ عبد الرزاق السنهوري، إلا أنه لا يرى الاستدلال على جوازه بما استدل به غيره من قياسه على بعض العقود المعروفة، وإنما يراه عقدا مستحدثا قائما بذاته، ونظرا لذلك أوردنا رأيه، بدليله بعد كلام المانعين وكلام المجيزين، وفيما يلي ما برر به رأيه: الوقوف عند أحد جانبي عقد التأمين وهو جانب العلاقة ما بين المؤمن والمؤمن له بالذات، دون مجاوزة ذلك إلى الجانب الآخر وهو جانب العلاقة ما بين المؤمن ومجموع المؤمن لهم حيث لا يكون المؤمن إلا وسيطا بينهم ينظم تعاونهم جميعا على مواجهة الخسارة التي تحيق بالقليل منهم، هو الذي دفع بكثير ممن تصدوا للإفتاء في مشروعية التأمين في الفقه الإسلامي إلى القول بعدم مشروعيته. وتكون فتواهم في هذه الحالة صحيحة؛ لأنه إذا نظر إلى عقد التأمين من جهة العلاقة ما بين المؤمن والمؤمن له بالذات، ومن جهة هذه العلاقة وحدها، لم يعد عقد التأمين أن يكون عقد مقامرة أو رهان كما قدمنا، ويكون غير مشروع، لا فحسب في الفقه الإسلامي، بل أيضا في القانون المصري وفي جميع القوانين التي تحرم المقامرة والرهان. ولكن الجانب الآخر من عقد التأمين وهو الجانب الذي يجب الوقوف عنده؛ لأنه هو الذي يؤصل التأمين ويحدد طبيعته ويبرز التأمين في ثوبه الحقيقي، ويبين أنه ليس إلا تعاونا منظما تنظيما دقيقا بين عدد كبير من الناس معرضين جميعا لخطر واحد، حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم تعاون الجميع على مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم يتلافون بها أضرارا جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به منهم لولا التعاون. وشركة التأمين ليست في الواقع من الأمر إلا الوسيط الذي ينظم