واحتج أصحابنا بحديث حكيم بن حزام، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تبع ما لم تقبضه» وهو حديث حسن، كما سبق بيانه في أول هذا الفصل. وبحديث زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (١) » رواه أبو داود بإسناد صحيح إلا أنه من رواية محمد بن إسحاق بن يسار عن أبي الزناد، وابن إسحاق مختلف في الاحتجاج به وهو مدلس، وقد قال: عن أبي الزناد، والمدلس إذا قال:"عن" لا يحتج به. لكن لم يضعف أبو داود هذا الحديث، وقد سبق أن ما لم يضعفه فهو حجة عنده فلعله اعتضد عنده أو ثبت عنده بسماع ابن إسحاق له من أبي الزناد وبالقياس على الطعام.
والجواب عن احتجاجهم بأحاديث النهي عن بيع الطعام من وجهين: أحدهما أن هذا استدلال بداخل الخطاب والتنبيه مقدم عليه، فإنه إذا نهى عن بيع الطعام مع كثرة الحاجة إليه فغيره أولى.
والثاني: أن النطق الخاص مقدم عليه وهو حديث حكيم وحديث زيد.
وأما قياسهم على العتق ففيه خلاف سبق، فإن سلمناه فالفرق أن العتق له قوة وسراية، ولأن العتق إتلاف للمالية والإتلاف قبض.
والجواب عن قياسهم على الثمن أن فيه قولين، فإن سلمناه فالفرق أنه في الذمة مستقر لا يتصور تلفه، ونظير المبيع إنما هو الثمن والمعين ولا يجوز بيعه قبل القبض، وأما بيع الميراث والموصى به فجوابه أن الملك فيهما مستقر بخلاف المبيع. والله أعلم.
واحتج لأبي حنيفة بإطلاق النصوص، ولأنه لا يتصور تلف العقار بخلاف غيره. واحتج أصحابنا بما سبق في الاحتجاج على مالك. وأجابوا