وهكذا يتبين بما لا شك فيه: أن عرب الجاهلية كانوا يتعاملون بالربا في حالتين:
الحالة الأولى: عند تقديم قرض لأجل معين بربا يزيد على رأس مال القرض، وكانت هذه الزيادة تحدد بما يتفق عليه الطرفان، فطورا كان المقترض يدفع هذه الزيادة على أقساط شهرية، وطورا كان يدفعها جملة واحدة عند حلول أجل القرض، فإذا عجز المقترض عن السداد أعطى أجلا آخر بعد مضاعفة قيمة القرض، وفي حالة تقسيم الزيادة على أقساط شهرية كانت تضاعف هذه الأقساط مقابل تأجيل سدادها.
الحالة الثانية: حالة البيع: أي يبيع البائع السلعة بثمن مؤجل فإذا حل الأجل أو عجز المشتري عن أداء الثمن زيد الثمن وامتد الأجل، كما ثبت أن البيع مع تأجيل الثمن لم يكن فقط لعجز المشتري عن تعجيل الثمن، بل كان لإمهاله حتى يبيع السلع التي اشتراها، وكانت الشركة المسماة (شركة الوجوه) شائعة في الجاهلية، وهي أن شخصين أو ثلاثة يعقدون عقد شركة فيما بينهم بغير تقديم أي مال من أحدهم، وكانوا اعتمادا على الثقة فيهم يشترون مع تأجيل الثمن، فإذا باعوا سلعهم المشتراة اقتسموا الربح بعد تسديد الثمن، وفي بيئة كالبيئة الجاهلية كان شراؤهم بغير تعجيل الثمن يقترن دائما بفائدة ربوية للبائعين مقابل الأجل.
فلما جاء الإسلام أحدث ثورة في أساس حياتهم الاقتصادية:
كان أساس القرض الإنتاجي في العصر الجاهلي أن لا يقترن الإقراض بأي مخاطرة من جانب رب المال، فهو يقدم مال القرض ويفرض عليه الفائدة الربوية ثم يسترد رأس المال ورباه، سواء ربح المشروع أو خسر،