للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل المائعات الكثيرة لا تكاد تخلو من نجاسة.

(فإن قيل) : الماء يدفع النجاسة عن غيره فعن نفسه أولى وأحرى بخلاف المائعات.

(قيل) : الجواب من وجوه:

(أحدها) : أن الماء إنما دفعها عن غيره؛ لأنه يزيلها عن ذلك المحل وتنتقل معه فلا يبقى على المحل نجاسة، وأما إذا سقطت فيه فإنما كان طاهرا لاستحالتها فيه، لا لكونه أزالها عن نفسه؛ ولهذا يقول أصحاب أبي حنيفة: إن المائعات كالماء في الإزالة، وهي كالماء في التنجيس، فإذا كانت كذلك لم يلزم من كون الماء يزيلها إذا زال معها أن يزيلها إذا كانت فيه.

ونظير الماء الذي فيه النجاسة الغسالة المنفصلة عن المحل وتلك نجسة قبل طهارة المحل.

وفيها بعد طهارة المحل ثلاثة أوجه: هل هي طاهرة أو مطهرة أو نجسة.

وأبو حنيفة نظر إلى هذا المعنى فقال: الماء ينجس بوقوعها فيه وإن كان يزيلها عن غيره، كما ذكرناه.

فإذا كانت النصوص وقول الجمهور على أنها لا تنجس بمجرد الوقوع مع الكثرة، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء (١) » ، وقوله: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث (٢) » ، فإنه إذا كان طهورا يطهر به غيره، علم أنه لا ينجس بالملاقاة، إذ لو نجس بها لكان إذا صب على النجاسة ينجس بملاقاتها، فحينئذ لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، لكن إن بقيت عين النجاسة حرمت وإن استحالت زالت، فدل ذلك


(١) سنن الترمذي الطهارة (٦٦) ، سنن النسائي المياه (٣٢٦) ، سنن أبو داود الطهارة (٦٦) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٨٦) .
(٢) سنن الترمذي الطهارة (٦٧) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٥١٧) ، سنن الدارمي الطهارة (٧٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>