وكما أن العقوبات البدنية تارة تكون جزاء على ما مضى كقطع السارق، وتارة تكون دفعا عن المستقبل كقتل القاتل، فكذلك المالية، فإن منها ما هو من باب إزالة المنكر. وهي تنقسم كالبدنية إلى إتلاف، وإلى تغيير، وإلى تمليك الغير.
فالأول المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعا لها مثل: الأصنام المعبودة من دون الله لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها. فإذا كانت حجرا أو خشبا ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها، وكذلك آلات الملاهي، مثل الطنبور، يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء. وهو مذهب مالك، وأشهر الروايتين عن أحمد.
ومثل ذلك: أوعية الخمر يجوز تكسيرها وتخريقها. والحانوت الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه. وقد نص أحمد على ذلك هو وغيره من المالكية وغيرهم.
واتبعوا ما ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي، وقال: إنما أنت فويسق لا رويشد. وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمر بتحريق قرية كان يباع فيها الخمر، رواه أبو عبيد وغيره؛ وذلك لأن مكان البيع مثل الأوعية. وهذا أيضا على المشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرهما.
ومما يشبه ذلك ما فعله عمر بن الخطاب، حيث رأى رجلا قد شاب اللبن بالماء للبيع فأراقه عليه. هذا ثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبذلك أفتى طائفة من الفقهاء القائلين بهذا الأصل؟ وذلك لما