ولهذا جوز طائفة من العلماء التصدق به وكرهوا إتلافه، ففي [المدونة] عن مالك بن أنس: أن عمر بن الخطاب كان يطرح اللبن المغشوش في الأرض أدبا لصاحبه. وكره ذلك مالك في رواية ابن القاسم، ورأى أن يتصدق به، وهل يتصدق باليسير؟ فيه قولان للعلماء.
وقد روى أشهب عن مالك منع العقوبات المالية، وقال: لا يحل ذنب من الذنوب مال إنسان وإن قتل نفسا. لكن الأول أشهر عنه، وقد استحسن أن يتصدق باللبن المغشوش، وفي ذلك عقوبة الغاش بإتلافه عليه، ونفع المساكين بإعطائهم إياه، ولا يهراق.
قيل لمالك: فالزعفران والمسك أتراه مثله؟ قال: ما أشبهه بذلك، إذا كان هو غشه فهو كاللبن.
قال ابن القاسم: هذا في الشيء الخفيف منه، فأما إذا كثر منه فلا أرى ذلك، وعلى صاحبه العقوبة؛ لأنه يذهب في ذلك أموال عظام، يريد في الصدقة بكثيره.
قال بعض الشيوخ: وسواء على مذهب مالك كان ذلك يسيرا أو كثيرا؛ لأنه ساوى في ذلك بين الزعفران واللبن والمسك قليله وكثيره، وخالفه ابن القاسم فلم ير أن يتصدق من ذلك إلا بما كان يسيرا، وذلك إذا كان هو الذي غشه.
وأما من وجد عنده من ذلك شيء مغشوش لم يغشه هو، وإنما اشتراه أو وهب له أو ورثه، فلا خلاف في أنه لا يتصدق بشيء من ذلك.
وممن أفتى بجواز إتلاف المغشوش من الثياب ابن القطان. قال في