للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصدقة بكثير.

قال ابن رشد: قال بعض الشيوخ: وسواء- على مذهب مالك - كان ذلك يسيرا أو كثيرا؛ لأنه يسوي في ذلك بين الزعفران واللبن والمسك قليله وكثيره.

وخالفه ابن القاسم، فلم ير أن يتصدق من ذلك إلا بما كان يسيرا. وذلك إذا كان هو الذي غشه. فأما من وجد عنده من ذلك شيء مغشوش لم يغشه هو وإنما اشتراه أو وهب له أو ورثه، فلا خلاف أنه لا يتصدق بشيء من ذلك. والواجب أن يباع ممن يؤمن أن يبيعه من غيره مدلسا به، وكذلك ما وجب أن يتصدق به من المسك والزعفران يباع على الذي غشه.

وقول ابن القاسم في أنه لا يتصدق من ذلك إلا بالشيء اليسير أحسن من قول مالك، لأن الصدقة بذلك من العقوبات في الأموال، وذلك أمر كان في أول الإسلام.

ومن ذلك: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مانع الزكاة: «إنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا (١) » ، وروي عنه في جريبة النخل: «أن فيها غرامة مثلها وجلدات نكال (٢) » ، وما روي عنه: «أن من وجد يصيد في حرم المدينة شيئا فلمن وجده سلبه (٣) » .

ومثل هذا كثير، نسخ ذلك كله. والإجماع على أنه لا يجب، وعادت العقوبات في الأبدان، فكان قول ابن القاسم أولى بالصواب استحسانا. والقياس: أنه لا يتصدق من ذلك بقليل ولا كثير، انتهى كلامه.


(١) سنن النسائي الزكاة (٢٤٤٩) ، سنن أبو داود الزكاة (١٥٧٥) ، سنن الدارمي الزكاة (١٦٧٧) .
(٢) سنن النسائي قطع السارق (٤٩٥٩) .
(٣) صحيح مسلم الحج (١٣٦٤) ، سنن أبو داود المناسك (٢٠٣٧) ، مسند أحمد بن حنبل (١/١٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>