للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناجزا وإنما هو متوقع أو قليل يحتمله في دفع بعض الضرر عن غيره وهو نظر من يعد المسلمين كلهم شيئا واحدا على مقتضى قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا (١) » ، وقوله: «المؤمنون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (٢) » ، وقوله: «المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه (٣) » ، وسائر ما في المعنى من الأحاديث، إذ لا يكون شد المؤمن للمؤمن على التمام إلا بهذا المعنى وأسبابه، وكذلك لا يكونون كالجسد الواحد إلا إذا كان النفع واردا عليهم على السواء كل أحد بما يليق به، كما أن كل عضو من الجسد يأخذ من الغذاء بمقداره قسمة عدل لا يزيد ولا ينقص فلو أخذ بعض الأعضاء أكثر مما يحتاج إليه أو أقل لخرج عن اعتداله وأصل هذا من الكتاب ما وصف الله به المؤمنين من أن بعضهم أولياء بعض وما أمروا به من اجتماع الكلمة والأخوة وترك الفرقة وهو كثير إذ لا يستقيم ذلك إلا بهذه الأشياء وأشباهها مما يرجع إليها.

والوجه الثاني: الإيثار على النفس، وهو أعرق في إسقاط الحظوظ وذلك أن يترك حظه لحظ غيره اعتمادا على صحة اليقين إصابة لعين التوكل وتحملا للمشقة في عون الأخ في الله على المحبة من أجله وهو من محامد الأخلاق وزكيات الأعمال، وهو ثابت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن خلقه المرضي، وقد كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس بالخير وأجود ما كان في شهر رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وقالت له خديجة: إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق. وحمل إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير ثم


(١) صحيح البخاري الصلاة (٤٨١) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٨٥) ، سنن الترمذي البر والصلة (١٩٢٨) ، سنن النسائي الزكاة (٢٥٦٠) ، سنن أبو داود الأدب (٥١٣١) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٤٠٥) .
(٢) صحيح البخاري الأدب (٦٠١١) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٨٦) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٢٧٠) .
(٣) صحيح البخاري الإيمان (١٣) ، صحيح مسلم الإيمان (٤٥) ، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٥) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠١٦) ، سنن ابن ماجه المقدمة (٦٦) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٢٧٢) ، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>