للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاجة، ليكونن وزر هذا الزي المنهي عنه في السنة على من اخترعه لهؤلاء العلماء من سلفهم الذين كانوا خيرا منهم باعترافهم، ولا أعرف المخترع الأول لزي علماء مصر، وهو أبعد الأزياء عن أدب السنة وعن الذوق وعن المصلحة من حيث السعة والطول، ولكنني أعلم أن أول من اتخذ لأهل العلم زيا مخصوصا فقلدوه فيه بالتدريج هو القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (رح) ، وما أظن أنه كان من السعة والطول بالقدر الذي نشاهد، ولا براءة من هذا إلا بجعل ابتداء العادة كاستمرارها، ولقد بلغ من سلطان العادة على علمائنا أنهم صاروا ينكرون على من يخالفهم من أبناء صنفهم في الأردان المكبرة والأذيال المجررة، فلا عجب إذا حملت العادة بعضهم على إنكار لبس قلنسوة النصارى، ولو لضرورة دفع مفسدة أو جلب مصلحة، مع العلم بأن الصحابة والتابعين لبسوا في صدر الإسلام البرانس، وهي من قلانس النصارى، كما في [البخاري وشرحه] .

أما حجة هؤلاء وأمثالهم التي تروج عند العامة فهي: أن ذلك تشبه بالنصارى الذين يجب علينا مخالفتهم و....، وهذا الكلام غير صحيح على إطلاقه، وإنما هو مقيد بالمخالفة في الأمور الدينية التي لا يوجد في ديننا ما يؤيدها كالأناشيد في الجنائز وحمل المباخر ونحوها أمام النعش واتخاذ قبور الأولياء والصالحين مساجد وغير ذلك مما تشبهنا بهم فيه، بل جعلناه من شعائر ديننا مع النهي عنه في الأحاديث الصحيحة، وأما الأمور الدنيوية كالأكل والزي فليس مما تجب فيه المخالفة، بل تقارب الناس في العادات يؤلف بينهم ويزيل التنافر الذي يعمي كل فريق عن فضائل الآخر- وإذا زال التنافر ظهر الحق على الباطل، وقد علمت أن النبي وأصحابه

<<  <  ج: ص:  >  >>