والنبي صلى الله عليه وسلم قد فرق بينهما، فإن كان ذلك قبل الثلاث لم يقع بها ثلاث ولا غيرها، وإن كان بعدها دل على بقاء النكاح، والمعروف أنه فرق بينهما بعد أن طلقها ثلاثا، فدل ذلك على أن الثلاث لم يقع بها، إذ لو وقعت لكانت قد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، وامتنع حينئذ أن يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما؛ لأنهما صارا أجنبيين.
ولكن غاية ما يمكن أن يقال: حرمها عليه تحريما مؤبدا. فيقال: فكان ينبغي أن يحرمها عليه لا يفرق بينهما، فلما فرق بينهما دل على بقاء النكاح، وأن الثلاث لم تقع جميعا، بخلاف ما إذا قيل: إنه يقع بها واحدة رجعية فإنه يمكن فيه حينئذ أن يفرق بينهما.
وقول سهل بن سعد: فأنفذه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه محتاج إلى إنفاذ النبي صلى الله عليه وسلم واختصاص الملاعن بذلك، ولو كان من شرعه أنها تحرم بالثلاث لم يكن للملاعن اختصاص، ولا يحتاج إلى إنفاذ، فدل على أنه لما قصد الملاعن بالطلاق الثلاث أن تحرم عليه- أنفذ النبي صلى الله عليه وسلم مقصوده، بل زاده، فإن تحريم اللعان أبلغ من تحريم الطلاق، إذ تحريم اللعان لا يزول وإن نكحت زوجا غيره، وهو مؤبد في أحد قولي العلماء لا يزول بالتوبة.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بعد ذكره لاستدلال البخاري بحديث عويمر: ووجه الدلالة والاعتراض عليها، والجواب عن الاعتراض من وجهين، وكل ذلك سبق نقله عن النووي إلا الوجه الثاني،